و الأخيرة

رئيس مجلس الإدارة
أحمد عصام فهمي
رئيس التحرير
محمود الضبع
موقع الصفحة الأولى

أصبحت منصات التواصل الاجتماعي، في السنوات الأخيرة،  وخاصة تطبيق «تيك توك»  جزءاً لا يتجزأ من حياة العديد من المصريين، وعلى الرغم من كونها أداة للترفيه والتفاعل الاجتماعي إلا أن استخدامها بدأ يأخذ مساراً آخر في بعض الأحيان، حيث أصبحت تُستخدم لتحقيق المكاسب المالية بطرق غير مشروعة أو عبر نشر محتوى يتنافى مع القيم والأخلاقيات المجتمعية، وربما كان أبرز مظاهر هذا التحول هو ظهور العديد من الشخصيات التي حققت شهرة سريعة وأموالاً طائلة من وراء نشر محتوى قد يكون في بعض الأحيان مبتذلاً أو مخالفاً للمعايير الثقافية والدينية للمجتمع المصري.
هذه الظاهرة، والتي يمكن تسميتها بـ «تيك دولار» بدلًا من «تيك توكر»، أصبحت حديث الشارع المصري في الآونة الأخيرة، خصوصًا بعد سلسلة من القبض على العديد من «التيكتوكرز» الذين قاموا بنشر محتوى غير لائق للحصول على أموال من خلال إعلانات أو حتى من خلال التفاعل المباشر مع متابعيهم، فما بين محاولات لتحقيق الشهرة السريعة والمكاسب المادية على حساب المبادئ والأخلاقيات، أصبحت هذه الظاهرة تثير تساؤلات كبيرة حول دور هذه المنصات في تشكيل ثقافة الشباب المصري، والأضرار التي قد تنجم عنها إذا لم يتم ضبط المعايير.
أين تكمن المشكلة؟
قد يعتقد البعض أن «تيك توك» هو مجرد تطبيق للترفيه، ولكن الحقيقة أن تأثيره يتجاوز ذلك بكثير، فقد أظهرت الدراسات أن استخدام هذا التطبيق بشكل مفرط يؤدي إلى تغيير في أنماط التفكير والسلوك لدى المستخدمين، خاصة إذا كانت محتوياته تروج لقيم سلبية، على سبيل المثال، العديد من «التيكتوكرز» المصريين قد وقعوا في فخ «الربح السريع» عبر نشر مقاطع فيديو تروج لقيم غير أخلاقية، مثل الترويج للسلوكيات المبتذلة، أو التشجيع على الهدم الاجتماعي، وحتى استخدام طرق ملتوية للربح مثل بيع متابعات أو تفاعل مع المستخدمين مقابل أموال وواحدة من أبرز القضايا التي ظهرت مؤخرًا هي تلك التي تتعلق بالقبض على عدد من هؤلاء التيكتوكرز، الذين قاموا بترويج لأنماط حياة غير لائقة، ما دفع السلطات المصرية إلى التحرك واتخاذ إجراءات قانونية ضدهم، والقصة ليست مجرد قضية قانونية، بل تتعلق بصراع ثقافي عميق حول كيفية تأثير هذه المنصات على القيم المجتمعية والدينية.

المسؤولية الفردية

ولا يمكن إنكار أن جزءاً كبيراً من المسؤولية يقع على عاتق الأفراد أنفسهم، فالكثير من مستخدمي «تيك توك» ينساقون وراء حلم الشهرة السريعة، اعتقاداً منهم أن الطريق إلى المال يكمن في نشر مقاطع مبتذلة أو مستفزة، هذا التفكير لا يعكس سوى جهل بمعنى الشهرة الحقيقية، التي يجب أن تقوم على أساس من القيمة والفائدة للمجتمع ولا يمكن أن نغفل عن دور الأسر في هذا الصدد، فالتربية السليمة هي الخطوة الأولى للحفاظ على قيم المجتمع، ويجب أن يكون لدى الأهل وعي كامل بالأضرار المحتملة لاستخدام الأطفال والمراهقين للتطبيقات بشكل غير مسؤول، فبدلاً من التشجيع على التفاعل مع المحتوى المبتذل، يجب أن يتم توجيه الأبناء نحو الاستخدام الصحيح للإنترنت، والاعتماد على المنصات التي تعزز من فكرهم وثقافتهم وتوسع آفاقهم.
الأرباح السريعة.. حقيقة أم سراب؟
و نجد من خلال المراقبة الدقيقة لهذه الظاهرة، أن العديد من التيكتوكرز المصريين الذين حققوا شهرة سريعة، سرعان ما وجدوا أنفسهم في دائرة الاتهام بسبب محتواهم غير اللائق، والذي أسفر عن الكثير من الأضرار المجتمعية، وقد يظن البعض أن الطريق إلى الشهرة والمال يكمن في استقطاب أكبر عدد من المتابعين، لكن هذه الشهرة تكون غالبًا مؤقتة، فالكثير من هؤلاء الذين اعتقدوا أنهم سينعمون بالثروة السريعة، أصبحوا اليوم في دائرة التحقيقات والمحاكمات، وهذا يثبت أن المال الذي يأتي بشكل غير مشروع لا يلبث أن ينقلب ضد صاحبه.
أما الذين تبنوا نموذج «التيك دولار» في المقابل، فقد أدركوا سريعًا أنه كل شيء ليس قابل لأن يشترى، فالأموال التي تتناثر عبر الفيديوهات غير الأخلاقية لن تدوم طويلاً، وستظل العواقب القانونية والاجتماعية تلاحقهم ولا تكمن معالجة هذه الظاهرة فقط في توقيع العقوبات على المخالفين، ولكن يجب أن يكون هناك برنامج شامل للتوجيه والإرشاد حول كيفية استخدام وسائل التواصل الاجتماعي بطريقة مسؤولة وأخلاقية،ويجب أن يركز،  المجتمع والأسر على تعزيز الاستخدامات الإيجابية لهذه المنصات، وأن ترفع من مستوى الوعي بين الشباب حول مخاطر تحقيق الشهرة عبر «تيك توك» بأسلوب غير أخلاقي، وعلينا جميعًا أن نتذكر أن الشهرة الحقيقية تكمن في قيمة المحتوى الذي نقدمه، وفي قدرتنا على ترك أثر إيجابي في مجتمعاتنا، أما الشهرة المبتذلة، فهي مجرد سراب يختفي سريعًا، ويترك وراءه الكثير من الأسئلة عن قيمتنا كأفراد في هذا المجتمع.

تم نسخ الرابط