صرخة العطش .. «فناطيس» محافظة الجيزة سفن نجاة المواطنين بعد انقطاع المياه

خيّم الظلام على أحياء واسعة من محافظة الجيزة لساعاتٍ طويلة، ابتُلعت في جوف غيمٍ خانق، فيما اشتد لهيب الشمس فوق الرؤوس كأن السماء صبّت غضبها على الأرض، ارتبكت البيوت، وسكنَ فيها الاختناق، بينما الصغار يتقلبون من ضيق الهواء، والكبار يلوذون إلى النوافذ ينتظرون نسمة رحمة لا تأتي. 
ما زاد من وطأة الأزمة هو توقف ضخ المياه في عدد من المناطق، مما أجبر أهالي الجيزة على الخروج إلى الشوارع بحثًا عن أي مصدر يروي ظمأهم، ليكون النجاة بعد ساعات «سيارات المحافظة للطوارئ»، تسابق الناس نحوها والتي بدت كأنها سفن نجاة وسط صحراء العطش.
امتلأت الشوارع بأصوات متداخلة، بين مناداة أمّ لأبنائها، وصراخ طفل، ووجوه أنهكها الانتظار تحت الشمس، وتوسلات بالحصول على زجاجة واحدة تروي حلوقًا تشققت من القحط.. فها هو مسن خطّ الزمان على وجهه تجاعيد من صبر، يخرج من الزحام ممسكًا بزجاجة ماء كأنها جائزة العمر، عيونه تغرق في امتنان صامت، ويداه ترتجفان من التعب، لا من الوزن.

وعلى طرف الشارع، طفلة ترتدي فستانًا باهت اللون، تحتضن عبوة مياه كأنها عروس جديدة، تضحك فرحًا ليس لأن الماء كثير، بل لأن أمها قالت "أحسنتِ يا صغيرتي". 

جزيرة الدهب

في هذه اللحظات، ووسط هذا المشهد المشبع بالغصة، تتجلى أسمى درجات الإنسانية، شاب يمد يده لعجوز لا يستطيع الوقوف، وامرأة تملأ زجاجة وتدفعها لطفل غريب، وجار يتقاسم ما حصل عليه مع من لم يصبه الدور.
صار العطش امتحانًا للجميع، والكرامة وقودًا لا ينفد رغم انطفاء كل شئ.. هكذا قاوم مواطنوا الجيزة، بقلوبهم قبل أجسادهم، العطش بالحياة، والظلام بالأمل.
ووسط هذه الأجواء، قدّمت محافظة الجيزة اعتذارًا إلى المواطنين المتضررين من انقطاع التيار الكهربائي ومياه الشرب بعد حدوث عطل مفاجئ في محطة محولات جزيرة الذهب، التي تُعد من أهم المحطات المغذية للمناطق الرئيسية بالمحافظة.
وقالت المحافظة في منشور رسمي لها عبر صفحتها الرسمية على «فيس بوك»: نتقدم بخالص الاعتذار للمواطنين عن هذه الأزمة الطارئة والخارجة عن إرادتنا، مشيرة إلى أنه تم رفع طاقة التشغيل بمحطة تنقية المياه بجزيرة الذهب من 50٪ إلى 75٪، على أن يتم الوصول إلى الطاقة التشغيلية الكاملة بنسبة 100٪ فور الانتهاء من أعمال إصلاح كابلات الجهد العالي 66.
وأشارت محافظة الجيزة ، استمرار تواجد سيارات الطوارئ بالمناطق المتضررة لتغذية المنشآت والعقارات بالكهرباء بشكل مؤقت، وتوزيع سيارات مياه نقية صالحة للشرب، تابعة لشركة مياه الشرب والصرف الصحي، في المناطق المتضررة من انقطاع الخدمة.