في انتظار الهدنة الثالثة
محطات وقف إطلاق النار في غزة.. «الشيطان الإسرائيلي» يتلاعب بالتفاصيل

أصبح قطاع غزة أقرب من أي وقت مضى لوقف إطلاق النار، طبقا لتأكيدات مسؤولين أمريكيين ووسائل الإعلام الأجنبية، خاصة مع إعلان الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، تفاؤله بإمكانية التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار في القطاع، وبعدما أعلنت حركة حماس أنها قدمت ردا إيجابيا على مقترح هدنة لمدة 60 يوما مع الاحتلال الإسرائيلي.
ومن المنتظر أن يتضمن الاتفاق وقف إطلاق النار وإدخال المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة، بالتوازي مع عملية تبادل أسرى بين حركات المقاومة والاحتلال الإسرائيلي، وذلك بعدما قال ترامب في منشور على منصته تروث سوشيال، إن الاحتلال الإسرائيلي وافقت على شروط التوصل إلى وقف لإطلاق النار في غزة لمدة 60 يوما، مشيرا إلى أن الوسطاء المصريين والقطريين والمصريين سيقدمون مقترح نهائي، وحذر حركة حماس قائلا: "آمل أن تقبل حماس هذا الاتفاق لأنه لن يتحسن، بل سيزداد سوءا".
ويغادر رئيس حكومة الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إلى واشنطن للقاء الرئيس الأميركي، غدا الاثنين، وسط توقعات بإعلان ترامب عن وقف إطلاق النار بغزة بالتزامن مع لقائه مع نتنياهو.
وتشمل الوثيقة الأميركية المطروحة والتي تم تسريبها على وسائل الإعلام، وقفا لإطلاق النار لمدة 60 يومًا، بضمانات من الرئيس الأميركي دونالد ترامب تضمن استمراره لكامل المدة، إضافة إلى جدول للإفراج عن 10 أسرى إسرائيليين أحياء و18 جثمانا، مقابل الإفراج عن مجموعة من الأسرى الفلسطينيين في سجون الاحتلال، شريطة إجراء عمليات تبادل الأسرى دون احتفالات أو استعراضات.
وينص الاقتراح الأمريكي على دخول المساعدات الإنسانية فورا إلى قطاع غزة طبقا لبنود اتفاق 19 يناير 2025، وبكميات كافية، بمشاركة الأمم المتحدة والهلال الأحمر الدولي.
كما تشمل مراحل الاتفاق المقترح، الإفراج عن 8 أسرى إسرائيليين، يتبعه انسحاب جيش الاحتلال من مناطق في شمال غزة، حسب الخرائط التي يتم الاتفاق عليها، مع إجراء عملية انسحاب إسرائيلية من مناطق في جنوب القطاع في اليوم السابع لتنفيذ الاتفاق، حسب خرائط أيضا يتفق عليها أيضا.
ومع تنفيذ الاتفاق، تبدأ مفاوضات وقف إطلاق النار الدائم، تشمل 4 محاور أساسية، وهي تبادل الأسرى الباقيين، وبحث ترتيبات أمنية الطويلة الأمد في غزة، وترتيبات ما يعرف باليوم التالي، ثم إعلان وقف دائم لإطلاق النار.
وفي اليوم العاشر لوقف إطلاق النار، تقدم حركة حماس الأدلة والمعلومات عن الأسرى المتبقين، ومن تبقى منهم على قيد الحياة ومن توفى، وتقارير طبية، مقابل تقديم سلطات الاحتلال معلومات كاملة عن الأسرى الفلسطينيين المعتقلين من غزة منذ 7 أكتوبر 2023
كما يشمل المقترح الأمريكي ضمانات من الرئيس ترامب بتنفيذه طوال مدة الـ 60 يوما الاتفاق، وبأنه حال نجاح المفاوضات خلال فترة التهدئة فسيؤدي ذلك إلى وقف دائم لإطلاق النار.
وقبل التوصل لوقف إطلاق النار المرتقب في غزة، مرت الحرب الإسرائيلية على القطاع بعدة مراحل واقتراحات للهدنة، منها ما نجح في إسكات أصوات الحرب لمدى زمني مؤقت، ومنها ما واجه الفشل.
هدنة غزة الأولى
وكانت الهدنة الأولى قصيرة، لم تتخط 6 أيام، والتي تم الاتفاق عليها بعد حوالي 46 يوما من بدء العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة ردا على معركة "طوفان الأقصى" لـ المقاومة الفلسطينية، حيث جرى الاتفاق على هدنة لمدة 4 أيام بدأت في 24 نوفمبر 2023، وتم مدها لمدة يومين إضافيين.
وتضمنت بنود الهدنة الأولى في قطاع غزة، وقفإطلاق النار، وإطلاق سراح 50 امرأة وقاصرا تحت سن الـ 19 عاما من الأسرى الإسرائيليين لدى حماس وحركات المقاومة، مقابل الإفراج عن 150 امرأة وقاصرا من الفلسطينيين المعتقلين في سجون الاحتلال الإسرائيلي، ووقف حركة الطيران فوق شمال غزة من 10 صباحا حتى 4 مساء في كل يوم من أيام الهدنة، ووقف حركة الطيران تماما فوق جنوب القطاع، وضمان حرية حركة الفلسطينيين من الشمال إلى الجنوب على طول شارع صلاح الدين، ودخول شاحنات محملة بالمساعدات والوقود، ولكن، بعد انتهاء الهدنة، واصل الاحتلال عدوانه على جميع أنحاء قطاع غزة.
وبعد انتهاء هدنة غزة الأولى، عقدت العديد من جلسات التفاوض والمباحثات، البعض منها كان بشكل غير مباشر بين حماس والاحتلال الإسرائيلي، والبعض الآخر كان من خلال وسطاء دون مشاركة من حركة المقاومة أو الاحتلال، ومن أبرزها مفاوضات باريس الأولى في يناير 2024، بمشاركة ممثلين من مصر وقطر والولايات المتحدة والاحتلال الإسرائيلي، ورغم الاتفاق المبدئي على إطار التفاوض، رفض الطرفان بعد ذلك نتائج الاجتماع لينتهي بالفشل.
وفي 23 فبراير 2024، عادت نفس الأطراف الدولية والإقليمية للاجتماع في باريس، واتفقت على اتفاق مبدئي لإجراء صفقة تبادل، فيما عرف بوثيقة مبادئ باريس، ولكن الاتفاق لم يتم بعد إعلان الرئيس الأميركي السابق جو بايدن أن الاتفاق لم يعد من الممكن أن يتم قبل الموعد المستهدف أميركيا، وهو شهر رمضان.
وفي الأسبوع الأول من فبراير 2024، استضافت القاهرة جولة مطولة من المفاوضات غير المباشرة، شارك فيها وفد من حركة حماس، واستمرت 3 أيام، وبعدها وصل وفد من الاحتلال الإسرائيلي إلى القاهرة لمواصلة النقاش حول تفاصيل صفقة التبادل، ولكنها فشلت في النهاية.
وفي 13 فبراير 2024، عقد اجتماع رفيع المستوى في القاهرة لبحث صفقة تبادل الأسرى، بحضور مدير وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية سي آي إيه وليام بيرنز ورئيس الاستخبارات الخارجية الإسرائيلية (الموساد) ديفيد برنيع ورئيس الوزراء وزير الخارجية القطري الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، ومسؤولين مصريين، ولكن المفاوضات لم تحرز نجاحا بسبب عقبة عدد الأسرى الفلسطينيين المفترض الافراج عنهم مقابل كل أسير إسرائيلي.
وفي مايو 2024، أعلنت حركة حماس أن إسماعيل هنية، رئيس مكتبها السياسي، أبلغ كلا من رئيس الوزراء وزير الخارجية القطري، ومدير المخابرات المصرية عباس كامل، موافقة الحركة حماس على مقترح اتفاق وقف إطلاق النار، لكن الرد الإسرائيلي جاء سريعا باجتياح رفح جنوب القطاع، لتنهار المفاوضات فورا.
وفي آخر مايو 2024 كشف الرئيس الأمريكي السابق جو بايدن عن اقتراح صهيوني شامل لوقف إطلاق النار في 6 أسابيع والإفراج عن جميع الأسرى، وهو ما تبناه مجلس الأمن الدولي في قراره رقم 2735 يوم 10 يونيو، ونص على وقف دائم لإطلاق النار في قطاع غزة والانسحاب التام لجيش الاحتلال منه، وتبادل الأسرى، وإعادة الإعمار، وعودة النازحين.
وتضمن المقترح 3 مراحل، من خلال إطلاق نار مستدام وإطلاق سراح الأسرى الإسرائيليين وانسحاب قوات الاحتلال من المناطق المأهولة ودخول المساعدات، وبالفعل سلمت حركات المقاومة ردها على المقترح متضمنا تعديلات حول وقف إطلاق النار والانسحاب الإسرائيلي من كامل قطاع غزة وخاصة معبر رفح ومحور فيلادلفيا.
ولكن الجانب الأمريكي قال إن بعض التعديلات يمكن البناء عليها وبعضها غير مقبولة لإسرائيل، واتهم حركة حماس بعرقلة التوصل لاتفاق.
تجميد الوساطة القطرية
تعليق جهود الوساطة القطرية بين الاحتلال وحماس، بسبب عدم جدية الأطراف المشاركة في المفاوضات، حسبما أعلنت الخارجية القطرية.
ولكن قطر عادت لممارسة دور الوساطة في 4 ديسمبر 2024، قائلة إنها تستهدف التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار في قطاع غزة، وشهدت تلك الفترة دخول الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب، بعد إعلان احد مستشاريه عن وضع خريطة طريق للتنفيذ خلال شهر أو اثنين في إطار وقف إطلاق النار، وشهدت المفاوضات لول مرة مشاركة وفدين أمريكيين، أحدهما يمثل إدارة بايدن المنتهية، والثاني يمثل طاقم ترامب الذي كان يستعد للعودة إلى البيت الأبيض.
هدنة غزة الثانية
وتم التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار وتبادل الأسرى في قطاع غزة، يتم تطبيقه على 3 مراحل، تبدأ من 19 يناير 2025، ومدة المرحلة الأولى 42 يوما، وتم الاتفاق على وقف العمليات العسكرية المتبادلة من قبل الطرفين مؤقتا، وانسحاب قوات الاحتلال الإسرائيلي شرقا بعيدا عن المناطق المأهولة بالسكان إلى منطقة بمحاذاة الحدود، وعودة النازحين إلى مناطق سكنهم، والانسحاب من وادي غزة.
كما تم الاتفاق على عمليات تبادل المحتجزين والأسرى من الجانبين، على أنه بعد إطلاق سراح آخر أسير إسرائيلي في المرحلة الأولى، في اليوم الـ42، تبدأ قوات الاحتلال الإسرائيلي انسحابها وتستكمله بما لا يتجاوز اليوم الـ50 من بدأ تنفيذ الاتفاق.
وشملت المرحلة الثانية من الاتفاق الثاني لوقف إطلاق النار إعلان عودة الهدوء المستدام، مع الوقف الدائم للعمليات العسكرية والأنشطة العدائية، واستئناف عمليات تبادل المحتجزين والأسرى بين الجانبين، ثم المرحلة الثالثة التي تبلغ مدتها 42 يوما، وتم الاتفاق على تبادل جثامين ورفات الموتى الموجودة عند الطرفين بعد الوصول لهم والتعرف عليهم.، وكان المفترض بدء تنفيذ خطة إعادة إعمار قطاع غزة على مدى يتراوح بين 3 إلى 5 سنوات، ولكن الاتفاق انهار مع استئناف الاحتلال الإسرائيلي لعدوانه الشامل وحرب الإبادة على قطاع غزة، خاصة بعد محاولة إسرائيل المماطلة في القاهرة لتمديد المرحلة الأولى 42 يوماً إضافيا، وهو ما رفضته حركة حماس.
لتنجح المرحلة الأولى في إطلاق سراح 33 أسيرا إسرائيليا، بينهم 8 جثث، مقابل حوالي 2000 أسير فلسطيني من سجون الاحتلال.