تجربة «تسار بمبا»
قنبلة القيصر الروسية.. قصة تفجير أجبر أمريكا على معاهدة حظر التجارب النووية
قنبلة القيصرالمعروفة أيضًا باسم «تسار بمبا»، كانت محور أقوى انفجار في التاريخ صباح 30 أكتوبر 1961 عندما فجّرها الاتحاد السوفيتي؛ بلغت كتلتها نحو سبعة وعشرين طنًا، وأُسقطت من طائرة استراتيجية من طراز «توبوليف-95» أقلعت من مطار أولينيا العسكري في شبه جزيرة كولا بأقصى شمال غرب روسيا، ورافق العملية طاقم مكوّن من تسعة أفراد.
في الساعة الحادية عشرة وثلاث وثلاثين دقيقة صباحًا، أُسقطت القنبلة من ارتفاع يقارب 10500 متر فوق موقع التجارب النووية في أرخبيل نوفايا زيمليا، وتعني الأرض الجديدة في المحيط المتجمد الشمالي. ما إن ابتعدت القاذفة إلى مسافة آمنة حتى انفجرت القنبلة على ارتفاع 3700 متر من سطح الأرض، لتشكل سحابة ضخمة وصلت إلى ارتفاع 67 كيلومترًا، وبلغ قطر قبة السحابة المتوهجة 20 كيلومترًا.
كانت قوة الانفجار هائلة، إذ بلغت بين 850 ميجا طن من مادة تي إن تي، أي ما يعادل أكثر من ثلاثة آلاف ضعف قوة القنبلة التي دمرت مدينة هيروشيما اليابانية عام 1945. أنتج الانفجار كرة نارية قطرها تجاوز ثمانية كيلومترات، وارتفعت سحابة الفطر الناتجة إلى ما يفوق 64 كيلومترًا فوق سطح الأرض، متجاوزةً طبقة الستراتوسفير. شعر الناس في فنلندا بزلزال ناجم عن الانفجار، وتحطمت النوافذ على بعد 900 كيلومتر، وتعطلت الاتصالات اللاسلكية لمدة ساعة تقريبًا في أنحاء القطب الشمالي.
كان الوميض النووي مرئيًا من مسافة ألف كيلومتر رغم الغيوم الكثيفة التي غطت المنطقة، واستمر الضوء المتوهج قرابة سبعين ثانية، فيما احتفظت السحابة النووية بشكلها الفطري لفترة طويلة وكانت مرئية على بعد مئات الكيلومترات. دارت موجة الصدمة حول الأرض ثلاث مرات، ودُمرت جميع المباني الخشبية تقريبًا على مسافة مئات الكيلومترات من موقع الانفجار، وأُصيبت المباني الحجرية بأضرار جسيمة في المدن المجاورة.
الزعيم السوفيتي نيكيتا خروتشوف قال مازحًا إن الاتحاد السوفيتي لم يرفع قوة القنبلة إلى 100ميجا طن فقط كي لا تتحطم النوافذ في موسكو، وهي مزحة تحمل شيئًا من الحقيقة، إذ كانت هناك بالفعل خطط لتجربة قنبلة حرارية بتلك القوة، لكن تم التخلي عنها خشية التلوث البيئي والمخاطر على الطائرة القاذفة. وأكدت التجربة إمكانية صنع قنبلة تصل قوتها إلى مئتي ميغا طن، ما أثار رعب العالم في ذروة الحرب الباردة.
بدأ الاتحاد السوفيتي تطوير الأسلحة النووية الحرارية منذ أواخر الأربعينيات تحت إشراف العالم الشهير أندريه ساخاروف، وتم تطوير أول مشروع للأسلحة الحرارية عام 1949. وفي الثاني عشر من أغسطس عام 1953، اختُبرت أول قنبلة هيدروجينية سوفيتية تحت اسم «آر دي إس – 6» بقوة أربعمئة كيلو طن، وكانت أصغر حجمًا وأكثر عملية من القنبلة الأمريكية التي فجرتها واشنطن في نوفمبر 1952. سعى الاتحاد السوفيتي حينها لتحقيق توازن في القوة النووية مع الولايات المتحدة عبر تطوير قنابل حرارية ذات طاقة غير محدودة.
القوة النووية
نفذ الاتحاد السوفيتي تجربة «تسار بمبا» في ظل أجواء سياسية متوترة مع الولايات المتحدة بعد قمة فيينا بين خروتشوف والرئيس الأمريكي جون كينيدي، في خطوة هدفت إلى استعراض القوة النووية وبعث رسالة ردع واضحة للعالم. كانت القنبلة رسالة سياسية أكثر من كونها سلاحًا حربيًا فعليًا، إذ لم تُصمم للاستخدام القتالي بل لإظهار التفوق العلمي والتقني السوفيتي. ومع أن النسخة التي فجرت كانت بنصف قوتها الأصلية فقط، فإن آثارها طافت العالم، وسجلت اليابان أعلى مستويات إشعاع في مياه الأمطار، بينما وصلت سحب دقيقة من الرماد المشع إلى أمريكا الشمالية.
بعد عامين من التجربة، وفي الخامس من أغسطس عام 1963، وقعت الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي وبريطانيا معاهدة حظر التجارب النووية في الفضاء الخارجي وتحت الماء وعلى سطح الأرض. ومنذ ذلك الحين، أجرى الاتحاد السوفيتي تجربة نووية واحدة فقط تحت الأرض في أكتوبر عام 1990، قبل أن أعلن وقفًا اختياريًا للتجارب النووية ما زالت روسيا ملتزمة به حتى اليوم.
بعد عقود من النسيان ، أعادت شركة روساتوم الروسية عام 2020 نشر مشاهد أرشيفية نادرة لتجربة «تسار بمبا»، أظهرت لحظة الانفجار وسحابة الدخان الهائلة التي ارتفعت إلى السماء. وصف المصورون الوميض بأنه ضوء أبيض ساطع تبعه صوت ثقيل بدا وكأن الأرض نفسها قد اهتزت. بقيت القنبلة رمزًا لأقصى ما وصل إليه الإنسان من تدمير، وتذكيرًا مرعبًا بأن أخطر ما أنتجته الطبيعة هو الإنسان نفسه.








