
إذا أردت أن تضع تعريفاً جامعاً لشخصيته ومواهبه، فلن تجد إلا تعريفاً واحداً، فيلسوف الحياة، والتفاؤل ينزع في تفاؤله إلى الخير دائماً، يدعو إليه ويطلبه لكل الناس، كانت بداية عهدي به حينما التقيته في جريدة صوت الأمة وجهاً حانياً باسماً دائماً، لا يسخر من حلم ولا يحقر فكرة، كان عند انتهاء اجتماعه يجلس معنا يحدثنا ونحدثه، كان حديثه إلينا حديث الأب المحب، كان يحدثنا عن مغامراته الصحفية كيف خاضها كيف فكر فيها كيف نفذها، وهو الرائد النبيل لهذا الفن من الصحافة فن المغامرة الصحفية.
لم يتقرب يوماً من نظام فهو كان يرى اقترابه من الإنسان العادي ضرباً من ضروب الحياة والنشاط والحركة، أما الاقتراب من الأنظمة يجعله متكلساً متجمداً دون حراك وإن ظهر يتحرك، كان جليلاً في القول، رائعاً في طبيعته، أصيلاً في فطرته، لم يتحمل يوماً أن يعيش بالمرأى، ولا أن يصانع المواقف وفقاً لما تمليه الظروف والأحوال، ولكنه كان يقف شامخاً بنفسه، رأيه من قلبه وصدى موهبة أصيلة لا يمكن أن تتناقض مع نفسها. أذكر عندما ترك صوت الأمة وذهب للوفد يترأس تحريرها كنا دائماً في زيارة دائمة له، في مكتبه الذي لا يغلق أبداً، وحتى يضمن ألا يغلق الباب بفعل عوامل الطبيعة هواء أو رياح وضع أمام الباب حجراً، حتى لا يغلق الباب.
رئيس التحرير
أذكر فيما أذكر أن رئيساً لتحرير صوت الأمة يسبقه، كان ظاهرة سوء جاء من عالم مكائد السياسة ووشايتها، كان يصدق الكذب فقال له أحدهم شراً بي فصدقه فكان موضوعاً صحفياً عرضته عليه ورفضه وأنا أصررت أن أكتبه، ولكن سيد عبد العاطي احتفظ بالموضوع بعد أن أخذه من مكتب رئيس التحرير إياه، وبعد ما يزيد عن تسعة أشهر وجدت ملفاً على صفحات الجريدة فيه موضوعي بعدما أصبح رئيساً لتحرير الجريدة، ظل محتفظاً بموضوع لتسعة أشهر أو يزيد، وقال لي عندما ذهبت لأشكره "عايزك تشتغل لا تجعل أحداً يحبطك"، وكان يرسل إلي عندما تأتيه دعوة إلى مكان لأذهب مكانه.
ومن طريف ما بيننا قال لي اذهب إلى البحيرة فيه موضوع مهم في أحد مراكزها فذهبت إليها ولم أجد ما قال، فذهبت إليه أقول له ما حدث فضحك ضحكة بريئة كانت تطل من وجهه دائماً: "الموضوع ده كنت عامله من 1984"، قلت له: "يا فندم نحن في عام 2009"، كان دائماً شعلة تضيء حياة الآخرين، كان يملك مشاعر إنسانية راقية.
طلب مني ذات مرة استعارة كتاب كان في حوزتي، قلت له فورا "وإهداء"، كتبت إليه: "إلى الرجل الذي أعاد بملامحه الحانية ومشاعره الراقية أبي حياً من جديد، فعندك وجدت ضالتي بعد أن كنت حائراً سئماً، فأنت تبدد غربتنا جميعاً"، فدمعت عينه شاكراً. هو إنسان تجد له صفات عدة فإذا حاولت اختصارها قلت "إنه طيب" وهو بهذه الصفة كان يتمسك بها، وهو صحفي له مواهب عدة فإذا حاولت اختصارها قلت "إنه مبدع"، وكان يضيف كل هذا التفاؤل.
لقد فقدنا رجلاً نبيلاً راقياً وحانياً، رجلاً فرش بروحه الحالمة طريقاً معبداً لكثيرين يعبرون إلى المجد، وإذا كان لي أن أتخيل عبد العاطي في غيبوبته التي ظلت لثلاثة أشهر، كانت روحه تسترجع وجوهاً أحبته وأحبها، أرواحاً أخذت نبلاً من روحه، مغامراته الصحفية كيف بات في الهرم الأكبر وحيداً يوماً كاملاً، كيف عاش في مستشفى المجانين لشهور لعمل تحقيق صحفي كان الأبرز والأروع في حينه، كل ذلك كان طيفه يزوره في غيبوبته طيلة ثلاثة شهور كاملة، إلى روح عبد العاطي أقول: "الناس نوعان موتى في حياتهم، وآخرون في بطن الأرض أحياء".