معارك أكتوبر والنصر العظيم
معركة السويس .. آخر معارك المقاومة الشعبية قبل وقف اطلاق النار

في آخر معركة لحرب أكتوبر عام 1973 وقبل سريان وقف إطلاق النار، شهدت مدينة السويس واحدة من أعظم معارك الجيش المصرى والمقاومة الشعبية. حين حاولت القوات الإسرائيلية اقتحام المدينة باعتبارها هدفًا ضعيفا، لذلك دخلت القوات الإسرائيلية لتنفيذ هجماتها دون خطة واضحة، وخصصت لتنفيذ هجماتها لواء مدرعًا وكتيبة من اللواء المظلى ذات كفاءة قتالية عالية، بينما القوات العسكرية المصرية في مدينة السويس كانت عبارة عن عناصر إدارية، تابعة لقوات الجيش الثالث الموجود في شرق القناة، فأمر العميد يوسف عفيفى، قائد الفرقة 19 مشاة، الموجود في شرق القناة، بدعم قوات المدينة بعناصر من الصواريخ المضادة للدبابات وعناصر من مجموعات قنص الدبابات. وكان قائد هذه المجموعة الرائد على رضا من الفرقة 19 مشاة، وقائد مجموعة الصواريخ المضادة للدبابات، الرائد علاء درويش.
بدأت المعركة في الثانية من صباح يوم 24، حين أصدر الجنرال جونيه، قائد الفرقة المدرعة الإسرائيلية، أوامره إلى قائد اللواء المدرع، الكولونيل أرييه كيرين، وقائد كتيبة المظليين يوسى يوفى، بضرورة اقتحام مدينة السويس، قبل وصول مراقبى الأمم المتحدة لتطبيق قرار وقف إطلاق النار، وفى الساعة 6 صباحا، بدأ الطيران الإسـرائيلي في قصـف مدينة السويس، واشتد القصـف على منطقة الزيتية والمناطق المحيطة بالقطاع الزراعي وشمل كل مناطق المدينة واستمر القصف ل 4 ساعات متواصلة،و لكن تجنبت طائرات العدو إصابة المداخل الرئيسية الثلاث للمدينة ،وهى : (محور المثلث ) وهو المدخل الغربي من ناحية الطريق الرئيسي القادم من القاهرة إلى السويس وامتداده شارع الجيش وميدان الأربعين. والمحور الثاني (محور الجناين) في طريق الإسماعيلية مدخل السويس الشمالي حتى منطقة الهويس ثم شارع صدقي ومنه إلى ميدان الأربعين، والمحور الثالث (محور الزيتية) وهو المدخل الجنوبي للسويس من ناحية بورتوفيق. وعلى امتداد هذه المحاور نصبت دفاعات مُحكَمة: كمائن رئيسية وفرعية عند مزلقان البراجيل، كوبري الهويس، ميدان الأربعين، مزلقان الشهداء، بمشاركة جنود عائدين من الإسماعيلية، وعناصر من الجيش والشرطة، وفصائل المقاومة الشعبية (من بينهم فدائيون مثل أحمد أبو هاشم، فايز أمين، محمود عوّاد، إبراهيم سليمان، أحمد عطيفي وآخرون).
وفى الساعة 9:45 دقيقة صباحا، بدأ هجوم بري إسرائيلي على محور الجناين: كتيبة من اللواء المدرع حاولت عبور كوبري الهويس إلى شارع صدقي، لكن كمائن المقاومة عطلت ودمرت أجزاء من دبابات العدو؛ وتراجعت باقى الدبابات المتبقية، وفى تمام العاشرة صباحا، تقدمت الكتيبة المدرعة التى احتلت طريق الزيتية ، بقيادة العقيد جابى ووصلت بعض دباباتها إلى قصر الثقافة ومواقع مركزية أخرى، وتمركزت الدبابات عند مبنى محافظة السويس وميدان سعد زغلول.وسيطرت على شارع سعد زغلول، وعند الساعة 10:50 دقيقة، تقدمت مدرعات إسرائيلية أخرى (مصحوبة بتكتيكات خادعة: عربات مزيفة محمولة بلوحات الجيش المصرى واعلام ) نحو ميدان المثلث وشارع الجيش وميدان الأربعين؛ وهنا بدأت الاشتباكات الرئيسية مع فدائيي السويس ومجموعات الصواريخ المضادة للدبابات. وتقدم فدائيون ومقاتلون بالمدن إلى مواقع العدو وأطلقوا قذائف آر.بي.جي ضد دبابات «باتون» و«سنتوريون»، وقف الفدائي محمود عوّاد وزميله فتحي عِوَض الله بجوار مزلقان قريب من مبنى الجمعية الاستهلاكية، يحتميان خلف دشمة خرسانية . كان عوّاد يحمل قاذف "آر بي جي-7" ومع ظهور أول دبابة إسرائيلية من طراز "باتون"،أطلق قذيفته الأولى، والتي أصابت هدفها بدقة، فتوقفت الدبابة على الفور.
مزلقان الشهداء
وبعدها تقدمت دبابة أخرى من طراز "سنتوريون"، أكثر تطوراً وتسليحاً، وأطلقت الدبابة قذيفة مباشرة أدت إلى تدمير الدشمة الخرسانية. ولكن عوّاد وزميله كانا قد انتقلا إلى الجهة المقابلة في اللحظات الأخيرة، ونجوا من الانفجار. واطلق عوّاد قذيفة أخرى، لكنها لم تحدث التأثير المطلوب، نظراً لقوة تدريع الدبابة وتفوقها الفني على طراز "باتون". وفي موقع آخر، قرب مزلقان الشهداء ، كان الفدائي أحمد عطيفي متواجد داخل كمين محكم. وأطلق قذيفة "آر بي جي" باتجاه إحدى الدبابات، لكنها لم تُحدث سوى أضرار طفيفة. ومع ذلك، أخرت ضربات الموجه الأولى تقدم دبابات الاحتلال التي عبرت من شارع الجيش بخسائر محدودة. لكن مع بداية الموجة الثانية، تقدمت دبابة سنتوريون ضخمة، ما دفع عطيفي للاستعداد لصدها، ولم يكن متبقى معه سوى قذيفتين فقط، وحين حاول تجهيز قاذفه، أمسكه من الجزء الملتهب، ما تسبب في حرق كفّه، لكنه أستمر فى القتال.
و كان الفدائي إبراهيم سليمان متواجد بين سينما "رويال" و"مصر"، داخل خندق، ومعه زميليه محمد سرحان وأحمد عطيفي، وعدد من الفدائيين. ومع اقتراب الدبابة، جهز ابراهيم سليمان قذيفته وأطلقها واصابت أسفل برج الدبابة مباشرة، مما أدى إلى اختلال توازنها واستدار برج الدبابة ناحيتهم ثم سقط على الارض ، ولكن ابراهيم استشهد لاحقًا بعد إصابته برصاص قنّاص وتمّ إيجاد جثته معلقة على سور القسم، وهناك اشتباكات عنيفة جرت عند سينما رويال ومزلقان البراجيل ومحيط قسم الأربعين، أدت إلى إبادة أجزاء من قوات العدو، وحصار عدد من الجنود داخل مبانٍ وسيارات مدرعة. وشهدت الشوارع إطلاق قنابل مولوتوف، رشاشات خفيفة، قنابل يدوية، وإسناد من وحدات الصواريخ المضادة للدبابات التي دخلت المدينة من شرق القناة ، وقد تم قتل نحو 100 جندي إسرائيلي وأُصيب 500 آخرون، واستولى المدافعون على 200 بندقية آلية، 8 مدافع هاون، وآلاف الذخائر الإسرائيلية ، وما زالت دبابات العدو المحروقة متواجدة أمام مداخل المدينة. أما الخسائر المصرية فبلغت نحو 80 شهيداً و 42 جريحاً في يوم 24 أكتوبر. وانتهى القتال في فجر 25 أكتوبر بانسحاب القوات الإسرائيلية من مداخل المدينة بعد أوامر بالانسحاب، وتحتفل محافظة السويس في 24 أكتوبر من كل عام بيوم «معركة السويس»، تخليداً لبطولات أهالي المدينة ومقاتلي الجيش الذين دافعوا عن وطنهم بأسلحة بسيطة ضد قوات العدو الاسرائيلى .