و الأخيرة

رئيس مجلس الإدارة
أحمد عصام فهمي
رئيس التحرير
محمود الضبع
موقع الصفحة الأولى

 تُعد الانتخابات بمختلف مستوياتها – الرئاسية، البرلمانية، والمحلية – الركيزة الأساسية لأي نظام سياسي يسعى إلى ترسيخ شرعيته وتعزيز مشاركة مواطنيه في عملية صنع القرار. وفي الحالة المصرية، يكتسب المسار الانتخابي خصوصية نابعة من طبيعة المرحلة التي تعيشها الدولة منذ عام 2013، والتي تميزت بالتركيز على تحقيق الاستقرار، وإعادة بناء مؤسسات الدولة، والسعي نحو تثبيت قواعد النظام السياسي. ومع ذلك، يظل المشهد السياسي والانتخابي في مصر اليوم محمّلًا بفرص واعدة، وفي الوقت ذاته مثقلًا بجملة من التحديات التي تعكس طبيعة العلاقة بين الدولة والمجتمع والأحزاب السياسية.

أولًا: انتظام الاستحقاقات الانتخابية

شهدت مصر خلال العقد الأخير انتظامًا واضحًا في عقد الاستحقاقات الانتخابية في مواعيدها الدستورية، سواء الانتخابات الرئاسية أو البرلمانية. فقد أجريت الانتخابات الرئاسية في نهاية عام 2023، وسط إشراف قضائي كامل، وإدارة مباشرة من الهيئة الوطنية للانتخابات. هذا الانتظام يعكس رغبة الدولة في تكريس مبدأ الشرعية الدستورية، وقطع الطريق أمام أي فراغ سياسي، كما يساهم في تعزيز ثقة الداخل والخارج في مؤسسات الدولة.

إلى جانب ذلك، تعمل الهيئة الوطنية للانتخابات على تطوير آليات تنظيم العملية الانتخابية، من خلال تحديث قواعد الناخبين، وإدخال التكنولوجيا في عمليات التسجيل والفرز، بما يقلل من فرص الطعون والتشكيك، ويؤكد التزام الدولة بمبدأ الشفافية.

ثانيًا: المشهد الحزبي والسياسي

رغم تعدد الأحزاب السياسية المسجلة رسميًا، إلا أن المشهد الانتخابي الفعلي يتمحور حول عدد محدود من القوى التي تمتلك الحضور الأكبر على الساحة، وفي مقدمتها:

حزب مستقبل وطن:
الحزب صاحب الأغلبية البرلمانية، والقوة السياسية الأكثر تأثيرًا في المشهد. تمكن من فرض حضوره عبر شبكة تنظيمية واسعة وخطاب داعم لسياسات الدولة، مما جعله الطرف الأبرز في صياغة التشريعات وضبط إيقاع العمل النيابي.

حزب حُماة وطن:
من الأحزاب التي نجحت في تكوين قاعدة معتبرة خلال السنوات الأخيرة، وارتبط أداؤه بخطاب وطني وبرامج انتخابية تهتم بالقضايا الاجتماعية والتنموية، مما عزز مكانته في البرلمان والمجتمع.

الجبهة الوطنية:
إطار سياسي يضم عددًا من التيارات التي تسعى للتنسيق المشترك وتوسيع مساحة الحوار، بهدف خلق توازن في الساحة السياسية، رغم أن حضورها الشعبي لا يزال في طور البناء.

القائمة الوطنية:
هي مظلة انتخابية تضم عددًا من الأحزاب الكبرى مثل مستقبل وطن، حُماة وطن، والجبهة الوطنية، إلى جانب مجموعة من الأحزاب الصغيرة أو الأقل تأثيرًا. وقد شكلت هذه القائمة أداة للتنسيق بين هذه القوى خلال الانتخابات البرلمانية الأخيرة، بما سمح بتوزيع المقاعد وتعزيز الاستقرار داخل المؤسسة التشريعية ورغم هذا التنسيق عبر القائمة الوطنية، فإن التحدي الحقيقي أمام الأحزاب المصرية يظل في تحويل التحالفات الانتخابية إلى عمل سياسي مستدام، يقوم على برامج واضحة قادرة على إقناع الناخبين، لا مجرد اصطفافات انتخابية مؤقتة.

ثالثًا: المشاركة الشعبية

تظل نسب المشاركة إحدى أبرز مؤشرات قياس حيوية العملية الانتخابية. وتشير التجربة المصرية إلى أن نسب الإقبال عادة ما تكون أعلى في الانتخابات الرئاسية مقارنة بالبرلمانية أو النقابية، وهو ما يعكس طبيعة الثقافة السياسية السائدة التي تركز على الرمزية الرئاسية أكثر من المؤسسات الوسيطة.

ومع ذلك، تواجه المشاركة الشعبية تحديات حقيقية، أهمها:

1. عزوف الشباب: نتيجة ضعف الثقة في جدوى العمل الحزبي، وتراجع الاهتمام بالشأن العام لصالح الانشغال بالهموم الاقتصادية.

2. ضعف الوعي السياسي: حيث لا تزال قطاعات واسعة من الناخبين تُدلي بأصواتها بناءً على اعتبارات شخصية أو خدماتية، وليس على أساس برامج سياسية واضحة.

3. الفجوة بين الدولة والمجتمع: رغم جهود الدولة في تمكين المرأة والشباب، إلا أن الكثيرين يرون أن العملية السياسية لا توفر مساحة كافية للتأثير المباشر.

رابعًا: دور الإعلام والخطاب العام

يلعب الإعلام دورًا محوريًا في تشكيل المشهد الانتخابي في مصر. فالوسائل الإعلامية التقليدية (التلفزيون والصحف) ما زالت هي المصدر الأساسي للمعلومات لدى غالبية المواطنين، بينما تكتسب وسائل التواصل الاجتماعي نفوذًا متزايدًا بين الشباب.

ورغم أن الإعلام يساهم في شرح الإجراءات الانتخابية وحث المواطنين على المشاركة، إلا أن الخطاب العام يظل بحاجة إلى تنوع أكبر، بما يسمح بطرح رؤى بديلة، ويعزز مناخ الحوار السياسي. فالانتخابات لا تكتمل أركانها إلا بوجود منافسة حقيقية تستند إلى برامج وأفكار، وليس فقط إلى شعارات عامة.

خامسًا: التحديات والفرص

من أبرز التحديات التي تواجه المسار الانتخابي في مصر: غياب التوازن الحزبي: حيث تظل الساحة السياسية مختلة لصالح حزب الأغلبية ضعف التنافس البرامجي: إذ تفتقر الحملات الانتخابية إلى مناقشات معمقة حول قضايا مثل الاقتصاد، التعليم، والصحة تراجع الثقة الشعبية: خصوصًا بين فئة الشباب، وهو ما يهدد مستقبل المشاركة السياسية على المدى الطويل.

لكن في المقابل، هناك فرص مهمة يمكن البناء عليها: الاستقرار المؤسسي: الذي يتيح بيئة ملائمة لتطوير الحياة السياسية.

دعم الدولة لتمكين المرأة والشباب: وهو ما يفتح الباب أمام تجديد الدماء في المشهد الانتخابي التوسع في استخدام التكنولوجيا: بما يعزز الشفافية والرقابة المجتمعية على العملية الانتخابية.

خاتمة يمكن القول إن المشهد السياسي والانتخابي في مصر اليوم يقف عند مفترق طرق. فمن ناحية، هناك انتظام مؤسسي واستقرار دستوري يعكس جدية الدولة في ترسيخ الشرعية. ومن ناحية أخرى، هناك حاجة ماسة إلى تفعيل التعددية السياسية، وتعزيز التنافس البرامجي، وزيادة نسب المشاركة الشعبية، وخاصة بين الشباب. إن تطوير التجربة الانتخابية المصرية لن يتحقق إلا عبر معادلة متوازنة تجمع بين إرادة الدولة في الإصلاح، ورغبة المجتمع في المشاركة، وفاعلية الأحزاب في تقديم البدائل.

تم نسخ الرابط