
في هذه الأيام، يقف قطاع الثروة الحيوانية في مصر أمام اختبار صعب بعد ظهور عترة جديدة من مرض الحمى القلاعية، وهي عترة شديدة العدوى وسريعة الانتشار، قادرة — إذا تُركت دون مواجهة — على التسبب في خسائر فادحة للإنتاج الحيواني، وخلق موجة ارتفاع جديدة في أسعار اللحوم والألبان، ما يثقل كاهل المواطن البسيط ويؤثر على استقرار الاقتصاد الوطني.
أمام هذا الخطر، ينهض الطبيب البيطري ليكون خط الدفاع الأول، فهو ليس مجرد متخصص في علاج الحيوانات، بل هو حارس للأمن ، وضامن لسلامة الغذاء الذي يصل إلى موائدنا. دوره يتجاوز حدود العيادة والمزرعة، ليصل إلى حماية صحة الإنسان نفسه، لأن أي خلل في صحة الحيوان ينعكس مباشرة على صحة المجتمع بأسره الأمر هذه المرة أكثر صعوبة، فالأطباء البيطريون مطالبون بتنفيذ حملة تحصين جديدة بعد فترة وجيزة للغاية من انتهاء الحملة السابقة. هذا التوقيت القصير يفرض تحديات مضاعفة، أهمها إقناع المربين والمزارعين بضرورة إعادة التحصين رغم أنهم قاموا به قبل أسابيع قليلة فقط، خاصة في ظل شائعة أن التحصين الأخير يكفي. وإلى جانب التحدي النفسي، هناك التحدي البدني؛ فالأطباء البيطريون يعملون في ظروف مناخية قاسية، تحت درجات حرارة مرتفعة، متنقلين من قرية إلى أخرى، حاملين أدواتهم ولقاحاتهم، في مواجهة المرض قبل أن يتسع نطاقه.
لكن هذه الجهود العظيمة كثيرًا ما تمر في صمت. لا كاميرات تلفزيونية ترصد، ولا عناوين صحفية تتصدر، ولا حتى مقابل مادي يوازي حجم الجهد المبذول. هناك طبيب بيطري وحيد في قرية كاملة، يطوف البيوت والحظائر ليحصن المئات. هناك طبيب رقابة يتفقد الأسواق والمطاعم ليتأكد أن الغذاء سليم، وآخر في المجزر يفرض رقابة صارمة لمنع ذبح أي حيوان مريض، ليحمي بذلك مئات الأرواح من أمراض قد تكون قاتلة.
الجيش الصامت
هذا "الجيش الصامت" هو من يحفظ للمواطن حقه في غذاء آمن وصحة سليمة، ومع ذلك لا يحظى بما يستحق من دعم أو تقدير. من هنا، أوجه ندائي إلى النقابة العامة للأطباء البيطريين بضرورة القيام بدور فاعل في دعم أبنائها في هذه المرحلة الحرجة، عبر التنسيق مع قيادات الهيئة العامة للخدمات البيطرية ووزارة الزراعة لتقديم امتيازات ومكافآت استثنائية تليق بحجم الجهد المبذول، والعمل على الإسراع في تنفيذ التعيينات الجديدة التي تم الإعلان عنها، مع مضاعفة الأعداد لمواجهة النقص الحاد في أعداد الأطباء البيطريين بالمنظومة الحكومية، وهو نقص يؤثر سلبًا على جودة الخدمة في الحملات القومية وفي كافة المهام البيطرية الأخرى.
إن دعم الطبيب البيطري ليس قضية مهنية فقط، بل هو قضية أمن قومي. هؤلاء الأطباء هم السد المنيع الذي يقف أمام انتشار الأمراض الوبائية، والحصن الذي يحمي غذاءنا من التلوث، والدرع الذي يحافظ على اقتصادنا من الانهيار في وجه الجوائح الحيوانية ولكل طبيب بيطري، أقول: أنت لست مجرد موظف، أنت حارس حياة، ودرع أمة، ويد خفية تمنع الكوارث قبل وقوعها. أنت من يقف في الشمس، ويجوب الحقول والقرى، ويحمل على كتفه مسؤولية وطن كامل. ربما لا تصلك كلمات الشكر، وربما لا تُكتب عنك الأخبار، لكن الله يرى، والوطن يعرف، والأجيال القادمة ستدين لك بالفضل فلنقف جميعًا — مواطنين، وإعلامًا، ومؤسسات — لندعم هذا الجيش الصامت، لأنه إن انهار، انهارت معه أول خطوط الدفاع عن صحتنا وأمننا الغذائي. والتاريخ لا يذكر أولئك الذين اكتفوا بالمشاهدة، بل يذكر من حملوا على عاتقهم واجب الحماية يوم كان الوطن بحاجة إليهم.