و الأخيرة

رئيس مجلس الإدارة
أحمد عصام فهمي
رئيس التحرير
محمود الضبع
موقع الصفحة الأولى

في النرويج وحدها، تم تسجيل أكثر من 15 ألف حالة فصل أطفال عن ذويهم خلال أقل من عشر سنوات، كثيرٌ منها جرى دون تدخل قضائي مباشر أما في السويد، فتخضع اليوم عشرات الآلاف من الأسر لرقابة اجتماعية تؤدي في حالات كثيرة إلى سحب الحضانة، لأسباب تصفها التقارير بأنها فضفاضة وقابلة للتأويل، مثل عدم توفر بيئة أسرية مناسبة، أو اختلاف ثقافي في أسلوب التربية.

أكثر من ربع هذه الحالات تعود إلى أمهات مهاجرات أو من خلفيات لا تتحدث لغة البلد وقد وجّهت دول عدة — من بينها التشيك والهند ورومانيا — انتقادات علنية لهذه السياسات، معتبرة أن بعض القرارات تمثل شكلاً من أشكال التمييز المؤسسي ضد الأسر الضعيفة اجتماعيًا وثقافيًا.

الرعاية الاجتماعية الاسم الرسمي لسرقة قانونية في تقارير موثقة صادرة عن هيئات رقابية ومراكز حقوقية، تم رصد آلاف الحالات التي تم فيها نزع الأطفال من أمهاتهم في الأشهر الأولى من حياتهم، أو في حضّانات المستشفيات، أو أحيانًا عند أول خلاف منزلي أو صراخ في الشارع.

السبب؟ الرعاية الاجتماعية الدولة تعتبر نفسها وصية على الطفل فإن رأت أن بيئته ليست “مناسبة”، يُنتزع دون حكم محكمة، ويُنقل إلى أسرة أخرى “أكثر استقرارًا” و”أكثر انسجامًا مع القيم الأوروبية”.

 من فقر الأم إلى حضن الدولة في النرويج وحدها، أثارت قضية Barnevernet، وهي الجهة المسؤولة عن رعاية الطفولة، فضائح دولية وصلت إلى البرلمان الأوروبي آلاف الأطفال انتُزعوا من أسرهم الأصلية، غالبًا لأسباب تتعلق بوضع مادي سيئ، أو تربية محافظة، أو لأن الأم مهاجرة لا تتحدث اللغة.

أحيانًا لا تُعطى الأم فرصة لإثبات قدرتها، بل تُسحب الحضانة قبل أن تعرف أنها قيد التقييم يُؤخذ الطفل، ويُنقل إلى أسرة لا يعرفها، وتُقطَع العلاقة، ويُسجَّل كل شيء على أنه “لمصلحته”.

 هل هذا إنقاذ أم تفكيك منظم؟

المنظمات الحقوقية بدأت تستخدم وصفًا صادمًا:“خطف منظم تحت حماية القانون”.تقول إن الدولة تنحاز لصورة اجتماعية نمطية، ومن يخالف هذه الصورة، فهو خطر على الطفل… لا تزورهم ولا تعرف أين هم

ولا يحق لها الاعتراض بعض القوانين في السويد والنرويج تمنع الأمهات بعد سحب الحضانة من زيارة أطفالهن إلا بإذن مسبق وفي بعض الحالات، تُسجَّل الأم كشخص غير مناسب للعلاقة، فتُقطع الرؤية بالكامل، ويُربّى الطفل على أساس أنه تَبَنٍّ رسمي.

 الوجه الآخر للرحمة بارد صامت ومشرّع بالكامل التوثيق

استنادًا إلى ما ورد في تقارير نشرتها منظمات مثل Amnesty International، وHumanium، وتحقيقات صحفية من هيئة الـ BBC، بالإضافة إلى شكاوى رسمية رُفعت إلى البرلمان الأوروبي، فإن عدداً من الأطفال الذين نُزعوا من أسرهم في النرويج خضعوا لاحقًا لإجراءات تبنٍ دائم، أحيانًا دون محاكمة مباشرة، ودون ضمانات كافية تتيح للأمهات الدفاع عن أنفسهن.

وقد أشارت هذه المصادر إلى حالات موثقة تم فيها نقل أطفال من أمهات مهاجرات إلى أسر أخرى لا تربطها بهم صلة، بدعوى “مصلحة الطفل”، دون أن تحصل الأمهات على حق الاستئناف الفعلي أو حتى معرفة مكان وجود أبنائهن لاحقًا.

وفي السويد، كشف تقرير حكومي نُشر في يونيو 2025 أن نظام التبني الدولي شابته لسنوات طويلة ممارسات غير قانونية، شملت التلاعب في الوثائق، وعدم الحصول على موافقات صريحة من الأهل، بل وفي بعض الحالات تم التبني من دول خارجية بطرق اعتبرتها اللجنة أقرب إلى “الاتجار المنظّم”. وقد دعت اللجنة إلى إنهاء التبني الدولي بالكامل، وهو ما نُشر أيضًا في صحف مثل Reuters وThe Guardian تشير هذه التقارير مجتمعة إلى أن ما بدأ باعتباره “رعاية مؤقتة”، انتهى في حالات كثيرة إلى فصل دائم بين الأم وطفلها، دون مسار قانوني عادل، ودون رقابة كافية على ما تم بعد النقل.

 توضيح مهم لا يهدف هذا المقال إلى إنكار أن هناك حالات تستدعي التدخل لحماية الأطفال، كالإهمال الشديد أو التعنيف أو البيئات غير الآمنة.

لكنّ الإشكال الذي نسلّط عليه الضوء لا يتعلق بهذه الحالات، بل في التوسّع المفرط في تفسير “الخطر”، وفي سحب الحضانة من أمهات فقيرات أو مهاجرات دون مسار قضائي واضح، ودون منحهن فرصة حقيقية للدفاع عن أنفسهن أو تصحيح أوضاعهن في كثير من الحالات، لا يُعتمد على أدلة دامغة، بل على مؤشرات اجتماعية أو ثقافية فضفاضة، مثل ضيق السكن، ضعف اللغة، أو اتباع أسلوب تربية تقليدي.

وغالبًا ما يُنفّذ قرار فصل الطفل قبل أي حكم قضائي، فيبقى الطفل في مؤسسة أو أسرة بديلة، بينما الأم تقف عاجزة أمام مؤسسات لا تفسّر ولا تراجع نفسها.

نحن لا ندافع عن الإهمال، ولا نطالب بتجاهل حقوق الطفل، بل نسائل حدود سلطة الدولة حين تمتدّ إلى علاقة الأم بطفلها، وتُصدر قرارات مصيرية على أساس الهشاشة الاجتماعية لا على أساس العدالة.

 شهادة شخصية أقول ذلك عن معرفة مباشرة، إذ عملتُ مع مؤسسات حماية الطفل في أوروبا خلال سنوات سابقة، وتابعت عن قرب الإجراءات المرتبطة بسحب الحضانة.

في تلك المرحلة، كانت كل حالة تُدرس بعناية، ويُمنح الأهل فرصة حقيقية للدفاع عن أنفسهم، مع وجود لجان مختصة وفرق اجتماعية تأخذ الوقت اللازم للتحقيق ومتابعة الوضع الأسري لم يكن القرار يُتخذ بناءً على الانطباع أو التسرّع، بل وفق معايير واضحة، وخطوات موثقة، ومراجعة داخلية.

لكن ما أسمعه اليوم — من شهادات، ومن تغطيات موثّقة — يختلف قد يكون السبب مرتبطًا بازدياد الضغط على أنظمة الرعاية، أو بوجود سياسات أكثر صرامة تجاه بعض الفئات الاجتماعية، لكن في كل الأحوال، النمط العام يستدعي النقاش هذه المقالة لا تهدف إلى التشكيك في كل الإجراءات، بل إلى طرح سؤال مشروع حول المعايير، والعدالة، والقدرة الفعلية للأسر — خصوصًا المهمشة — على الدفاع عن وجودها الأسري.

تم نسخ الرابط