و الأخيرة

رئيس مجلس الإدارة
أحمد عصام فهمي
رئيس التحرير
محمود الضبع

روائح غيرت التاريخ

أداة نفوذ ناعمة.. كيف تؤثر العطور في السياسة؟!

موقع الصفحة الأولى

جندي صامت.. ربما لا يعلم عنه الكثير، أو يلحظ أحد وجوده وقدر تأثيره؛ فرائحة عطر قد تغير قرارات سياسية وربما تحدد مصير شعوب.. هل تتخيل أن رائحة عطر ما قد تغير مسار اجتماع، أو تُهدئ من ثورة وغضب قائد غاضب، أو تدفع وفدا سياسيا لتوقيع اتفاق مصيري.. هذا ليس خيالا بل حقيقة أكدتها بعض الدراسات والروايات عبر حقب زمنية مختلفة، أن الأنف يُقرر قبل العقل!، وأن الروائح تصل إلى مراكز الحسم في الدماغ خلال أجزاء من الثانية، أسرع من الوعي نفسه.

فرائحة عطر قد تحسم موقف، فعلميا الروائح لا تمر على مناطق التفكير، بل تضرب مباشرة مراكز الخوف والغضب والذاكرة العاطفية؛ لهذا قد تجعل رائحة معينة القائد أكثر هدوءا، أو أكثر اندفاعًا.. ووفقا لنتائج تجربة بجامعة "هارفارد"، كشفت أن قادة عسكريين خاضوا تجربة محاكاة قتالية في غرفة معطرة بخشب السدر والحمضيات؛ انخفضت لديهم النزعة الهجومية بنسبة 23%.

روائح غيرت التاريخ

وفي "كامب ديفيد" عام 1978، كانت الغرفة الرئيسية، التي تستضيف المفاوضات، تُهيأ برائحة الصنوبر، لخفض التوتر، وفقا لما ذكرته عدة شهادات أمريكية أن البيت الرئاسي في كامب ديفيد كان يُهيأ بروائح طبيعية مهدئة مثل رائحة الصنوبر المنتشرة أصلا في المنطقة، بالإضافة إلى استخدام تقنيات تهدئة مثل الإضاءة الخافتة والموسيقى الهادئة.. فكان الفريق المنظم يتعمد تعزيز الإحساس بالهدوء عبر الإبقاء على الرائحة الطبيعية واستخدام عناصر بيئية مريحة للضيوف.. كما ذكرت تقارير أمريكية غير رسمية، أن كارتر ومستشاريه كانوا يختارون الروائح والإضاءة بعناية لخفض التوتر خلال لحظات الاحتقان بين السادات وبيجن.

ومن كامب ديفيد.. إلى ألمانيا؛ فكان هتلر يرفض اللافندر لأنه يجعله" أقل صلابة" وأقل قوة وعزيمة، لهذا كان يبتعد عن عطور اللافندر التي تقلل من صلابته، ومن ألمانيا إلى الدولة الأموية؛ فاستخدم الأمويون العود واللبان لرفع اليقظة لديهم، 
أما نابليون فكان يستنشق البرتقال قبل اجتماعاته الحاسمة لتحفيز التركيز وسرعة القرار.

جندي صامت لكنه فعال.. العطور قد تحدد مصير شعوب

هندسة عطرية للغرف السياسية، فالغرف السياسية الكبرى ليست محايدة… بل منذ القدم تُجهز بروائح مدروسة؛ روائح للتهدئة، مثل اللافندر والياسمين، روائح للحسم، مثل الروزماري والنعناع، روائح للسيطرة، منها العود والعنبر واللبان، فكل رائحة تُستخدم لغرض لتليين موقف، أو حسم نقاش، أو فرض هيبة.. ليتغير القرار بتغير الروائح، التي تغير الهرومونات، ونبض القلب، وربما نبرة الصوت، فتوجه السلوك دون أن يشعر صاحب القرار، إنه تأثير للعطر "صامت" لكنه شديد القوة.. وأداة نفوذ ناعمة.

العطر وغرف المفاوضات

تستخدم اليوم، بعض الدول الروائح في غرف المفاوضات، المقابلات الدبلوماسية، مكاتب القادة، وحتى المطارات؛ ليس للرفاهية، بل لتهيئة الحالة النفسية للضيوف وتوجيه إدراكهم.. فالعطور ليست تفصيلا صغيرا. 
إنها لاعب خفي في السياسة، 
تؤثر، وتوجه، وتغير… 
وربما صنعت قرارات كبرى عبر التاريخ دون أن ينتبه أحد. 

تم نسخ الرابط