و الأخيرة

رئيس مجلس الإدارة
أحمد عصام فهمي
رئيس التحرير
محمود الضبع
موقع الصفحة الأولى

االحمدلله الذي فتح بمفاتيح الغيوب اقفال القلوب ، جلى عرائس الشهود في مرأة الوجود فظهر ما كان محجوب ، وفق من شاء من عبادة فجاهد في الله حق جهاده بما سبق له في المكتوب ، ثم هداه بعدما تبين له هداه ثم رقاه بعدما نقله من العيوب ، ثم اقامه على قدم الخدمة في الخدم المرغوب ، ثم شغله بالمنعم عن النعم فأصبح برغبته مسلوب ، اول أمره اخذه من دار ملكه الي دار ملكوته ثم اطلعه على عرصات جبروته ثم اختطفه هنالك خطفات هيبته فهو مختطفٌ ومجذوب ، ثم رفعه اليه ثم رده عليه ثم قربه لديه فهو مرادٌ ومخطوب ، فلما اخذه من ابناء جنسه وانتهبه من حسه لم يكُ غير محب ومحبوب ، ثم روق له من كرم كرمه شرابٌ مستخرجٌ من راوق يحبهم ويحبونه فسكر قبل ان يتناول المشروب ، فما أفاق إلا بمذكرٍ (إلا بذكر الله تطمئن القلوب) ، فلما صحا من سكره صاح لسان عشقه المطروب ، أنا في الحقيقة خاطب مخطوب وهو المحب إياي والمحبوب ، لولا قديم العشق ما أخلصت في حبي فكنت الطالب والمطلوب 
واشهد انْ لا اله إلا الله وحده لا شريك له شهادة أدخرها لتفريج الكروب في يوم لا شروق لشمسه ولا غروب ، والصلاة والسلام الأتمان الأكملان على عبده المصطفى خير محبوب ، وعلى آله وصحبه ومن تبعه الي يوم الوعد الصادق غير مكذوب 
قال الحق سبحانه وتعالى (الله ولي الذين امنوا يخرجهم من الظلمات الى النور والذين كفروا اولياؤهم الطاغوت يخرجونهم من النور الى الظلمات اولئك اصحاب النار هم فيها خالدون) البقرة ٢٥٧ ، وهنا جعل الله سبحانه وتعالى الولاية اما له وهي ولاية المؤمنين وأما لغيره من الطاغوت - كل ما يعبد او يطاع من دون الله - وولاية المؤمنين لله تهديهم الي النور وأما الكفار فيتخبطون في الظلمات ، ولأن الله جعلنا درجات فقال عز من قائل (وهو الذي جعلكم خلائف الارض ورفع بعضكم فوق بعض درجات ليبلوكم في ما اتاكم ان ربك سريع العقاب وانه لغفور رحيم) الانعام ١٦٥ ، حتى ان الشخص الواحد تختلف درجته باختلاف ثبوته في العلم ، فنبي الله موسى الذي قال (ربي اني لما انزلت الي من خير فقير) ، ليس هو موسى عليه السلام الذي قال (رب ارني انظر اليك) ، ورسول الله محمد عليه السلام الذي قال: ما أنا بقارئ ، ليس هو الذي قال له ربه سبحانه وتعالى (لا تحرك به لسانك لتعجل به) ، ثم ان الجلود تقشعر لذكر الله ثم تلين القلوب وفي كل درجة ، ثم نصل الي درجة اعلى في قوله (الذين امنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله الا بذكر الله تطمئن القلوب) الرعد ٢٨ ، حتى ان الله امر المؤمنين بالتوبة ، فقال (يا ايها الذين امنوا توبوا الى الله توبة نصوحا) ، كما ذكر الإنابة فقال (من خشي الرحمن بالغيب وجاء بقلب منيب) ، وذكر سبحانه الأوبة فقال (هذا ما توعدون لكل اواب حفيظ) ، فشتان بين التوبة من الذنوب والإنابة من غفلة القلوب والأوبة من الانشغال عن المحبوب ، والدرجات تكون بالذكر وقد امرنا الله به فقال سبحانه وتعالى (يا ايها الذين امنوا اذكروا الله ذكراً كثيرا) ، والذكر فعل نتيجته الفلاح وسبحان القائل (فاذا قضيت الصلاة فانتشروا في الارض وابتغوا من فضل الله واذكروا الله كثيرا لعلكم تفلحون) الجمعة ١٠ ، والذكر هو ذروة سنام العبادة فهو الدليل على الإسلام والايمان والقنوت والصدق والصبر والخشوع والإنفاق والصوم وحفظ النفس من المعصية ولنتدبر قوله سبحانه وتعالى (ان المسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات والقانتين والقانتات والصادقين والصادقات والصابرين والصابرات والخاشعين والخاشعات والمتصدقين والمتصدقات والصائمين والصائمات والحافظين فروجهم والحافظات والذاكرين الله كثيرا والذاكرات اعد الله لهم مغفرة واجرا عظيما) حتى يفوز الذاكرين والذاكرات بالمغفرة والاجر العظيم ، والصدق في الذكر عبادة حتى ان ابراهيم عليه السلام قال لأبيه آزر ، (واعتزلكم وما تدعون من دون الله وادعوا ربي ، عسى ألا اكون بدعاء ربي شقيا) ، فعقب عليه رب العالمين فقال (فلما اعتزلهم وما يعبدون من دون الله وهبنا له اسحق ويعقوب وكل جعلنا نبيا) .

حالة روحية

والذكر خشوع وقشعريرة ثم حلاوة واطمئنان ولكثرة الذكر وجد ، والوجد هو حالة تصيب القلب وهو حالة روحية تصيب السالك أو العارف أثناء السماع الديني ، وهو باب عظيم لكل سالك في هذه المسالك فأحد السالكين سمع البائع ينادي على (الخيار) ليبيعه ويقول (اشتروا الخيار الكيلو بخمسة) فاغمى عليه من البكاء فلما أفاق سألوه ما أبكاك قال ما أهوننا عند الله ، الخيار بخمسة فما ثمن الاشرار؟ ، لذلك قال الجنيد البغدادي في تعريفه “الوجد انقطاع القلب عن الخلق بالشهود، وانقطاع الجوارح عن الخلق بالوجد” ، لذلك فان الوجد هو حالة فقدان ذاتي ، وهذا العبد الصالح قال (فأردت) وقال (فأردنا) وقال (فأراد ربك) وفي الاخير قال (وما فعلته عن امري) فالوجد حالة فناء ارادة العابد في ارادة المعبود ، فهي حالة شهود الحقيقة والتي لا يصل اليها العابد إلا بالشريعة ، فنحن نصلي ونقول (إياك نعبد) شريعة ، و (إياك نستعين) حقيقة ، فالشريعة بلا حقيقة عاطلة والحقيقة بلا شريعة باطلة ، فمن يدعي انه يحصل له اي من المشاهدة وحالة على غير الشريعة فهو كاذب او من أولياء الشيطان ، فاذا كان الرسول يحتاج الي طول الركوع والسجود حتى يبلغ المقام المحمود فكيف يدعي الوصول من ليس له محصول ولنتدبر قوله سبحانه وتعالى (ومن الليل فتهجد به نافلة لك عسى ان يبعثك ربّك مقاما محمودا) ، ثم ان هذه الحالة هي حالة خاصة للعارف وليست لغيره وليست دين يمكن ان يتعبد به غيره ، وهي بينه وبين الله لا ينشرها ولا يحدث بها فضلا عن ان يأمر بها غيره ، وتكون له كرامة لا يستدعيها ولا يدعيها ، وهذا العبد الصالح يقول ويؤكد (انك لن تستطيع معي صبرا) ويقول (وكيف تصبر على ما لم تحط به خبرا) لان ما بينه وبين ربه لا يزيعه إلا باذن ، لذلك قال (فلا تسألني عن شيء حتى تحدث لك منه ذكرا) اي حتى يأخذ الإذن بان يبوح بالسر ، فيكون الوجد هو الوسيلة للانتقال من الحالة الظاهرية إلى الوجود الحقيقي، حيث يُفقد السالك ذاته في النشوة الروحية ليعيش تجربة التجلي الشخصية والتي لا تصلح لغيره ، لذلك فان الحلاج قال عند تطبيق حد الردة عليه: إلهي هؤلاء عبادك قد اجتمعوا لقتلى تعصبا لدينك وتقربا إليك فأغفر لهم ، فإنك لو كشفت لهم ما كشفت لي ، لما فعلوا ما فعلوا ، ولو سترت عنى ما سترت عنهم لما لقيت ما لقيت فلك الحمد فيما أردت ولك الشكر فيما تريد 
وننتهي من هذه الدراسة العاجلة ان الناس اختلفت في امر البدوي هل هو قطب صوفي ام فاسق دعي؟ مع انه ليس لنا ان نحكم عليه ، لان كل فعل منسوب له خارج الشرع ليس لنا ان نقتضي به فيه كما ليس لنا ان نحكم عليه ولم يصل اي منا لحالة الوجد التي تصيب العارف ، فأمره الي الله ، والله سبحانه وتعالى اعلم

تم نسخ الرابط