أكثر من ٣٥ عاما حول دوائر صنع القرار الأمريكية
محمد السطوحي:اخترت تناول الحمام في الحسين على الذهاب في طائرة أوباما لأوربا

في حوار مهم يكشف النقاب عن أسرار السياسة الأمريكية، يأخذنا محمد السطوحي، الخبير المخضرم في الشؤون الأمريكية والصحفي الذي عايش دوائر القرار في واشنطن لأكثر من٣٥ عاما٬ من زيارة أوباما التاريخية للقاهرة وكيف أنه رفض ركوب طائرة الرئاسة الأمريكية٬ وإستكمال الرحلة معه إلى أوروبا ليذهب مع أصدقاؤه في "أكلة حمام" في الحسين إلى سخرية أوباما من ترامب التي دفعته لخوض السباق الرئاسي، في رحلة عميقة إلى كواليس العلاقات الأمريكية-الإسرائيلية والصراع الفلسطيني٬ بأسلوبه الثاقب يرسم السطوحي صورة حية لكيفية تلاعب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بغرور الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، مستغلاً طموحاته لتمرير أجندات إسرائيلية عمرها عقود٬ يروي السطوحي حكايات من قلب السياسة الأمريكية، مضيئاً على شخصيات مثل كونداليزا رايس، التي تحولت من أكاديمية معتدلة وراقصة باليه إلى صقر يميني٬ هذا الحوار ليس مجرد نقاش سياسي، بل وثيقة حية تكشف خبايا القوى التي شكلت ولا تزال تشكل مصير المنطقة.
أوباما في مصر
يحكي السطوحي للـ الصفحة الأولى عن كواليس زيارة الرئيس الأمريكي الأسبق باراك أوباما إلى مصر، مشيراً إلى أنه رافق أوباما وقابل الرئيس الأسبق حسني مبارك في قصر القبة، الذي كان يعاني من تدهور في صحته بسبب وفاة حفيده٬ وأوضح أن الهدف من الزيارة كان التواصل مع الشارع المصري لتحسين الصورة الذهنية للولايات المتحدة لدى العرب، خاصة المصريين. وكان من المفترض أن يلقي أوباما خطاباً تاريخياً في جامعة القاهرة قبل مغادرته إلى أوروبا، لكنه قرر البقاء في مصر لتناول وجبة في مطعم شعبي بالحسين، مفضلاً ذلك على مواصلة الجولة الأوروبية٬ وفي طريقهم لجامعة القاهرة لاحظ جورج ستيفانوبولوس، مستشار أوباما للشؤون الداخلية، خلو الشوارع من الناس، فسأل السطوحي قائلا" محمد أين الناس٬ هل القاهرة فارغة"، فأوضح أن ذلك يعود إلى الإجراءات الأمنية لحماية الرئيس.
وأشار السطوحي أن الخطاب التاريخي الذي ألقاه أوباما في جامعة القاهرة افتقر إلى وجود شخصية مصرية بارزة وذات قبول شعبي لتقديمه للجمهور المصري، وهو ما كان ضرورياً لنجاح الزيارة وتحقيق هدفها في تحسين صورة أمريكا.
وحول تجربته الشخصية، أشار السطوحي إلى إجرائه ثلاث مقابلات مع كولن باول بعد أحداث 11 سبتمبر، حيث طلب إحداها بنفسه والبقية جاءت بطلب منه. وأوضح أن تلك الفترة شهدت بداية ظهور الإعلام العربي الحقيقي في واشنطن، حيث كانت الإدارة الأمريكية مهتمة بالتواصل مع الشارع العربي وليس الحكام فقط، متسائلة: "لماذا يكرهوننا؟". وأشار إلى أن صحيفة "واشنطن بوست" كانت تنشر هذه المقابلات وتفرد لها صفحات خاصة. وعلى الرغم من أن وزير الدفاع الأمريكي آنذاك كان يمينياً متشدداً، فقد كان هناك تواصل من أشخاص في مكتبه لمعرفة آراء السطوحي بشأن قرارات تتعلق بمصر، مثل قرار منع تصدير طائرات "إف-16" إلى مصر، والذي عارضه السطوحي بشدة أمام الرئيس أوباما، معتبراً أنه يضعف الجيش المصري بينما يُسمح بتسليح إسرائيل.

وعن مقولته "أحمد ليس كالحاج أحمد"، أوضح السطوحي أنها تعني أن كل رئيس أمريكي يختلف عن الآخر. فترامب، على سبيل المثال، يختلف عن أوباما، مشيراً إلى رفضه الشديد لترامب بسبب معرفته الواسعة بشخصيته٬ وأضاف أن نتنياهو أدرك هذا الاختلاف واستغله لدعم خططه، خاصة احتلال غزة، الذي لم يكن ممكناً إلا مع شخصية مثل ترامب٬ وأكد أن نتنياهو، رغم شخصيته المثيرة للجدل، يمتلك فهماً عميقاً للسياسة الأمريكية، على سبيل المثال علاقته تزيد عن 40 عاماً مع الرئيس جو بايدن.
وحول العلاقة بين ترامب وأوباما، كشف السطوحي عن سر ليس معروفاً على نطاق واسع، وهو أن أوباما كان سبباً في ترشح ترامب للرئاسة٬ ففي لقاء سنوي للصحفيين في البيت الأبيض، سخر أوباما من ترامب بسبب عادته كتابة اسمه على مبانيه التجارية، قائلاً إنه قد يكتب اسمه على البيت الأبيض إذا أصبح رئيساً٬ هذا السخرية تركت أثراً عميقاً في ترامب، الذي قرر الترشح للرئاسة لاستعادة اعتباره٬ وأضاف السطوحي أن تصرفات ترامب الحالية مع أوباما ومحاولة آتهامه في أشياء ليست حقيقية٬ تهدف إلى صرف الانتباه عن تورطه في قضية إبستين.
رايس راقصة باليه
وعن كونداليزا رايس، التي يكرهها العرب، أوضح السطوحي أنه أجرى معها حواراً مطولاً ولقاءات غير رسمية، مؤكداً أنها كانت سيدة أكاديمية ومعتدلة قبل أحداث سبتمبر، لكن الظروف دفعتها مع دونالد رامسفيلد نحو اليمين المتطرف٬ وأشار إلى أنها كانت لطيفة ولم تكن فظة، وكشف عن جانب غير معروف من شخصيتها، وهو أنها عازفة بيانو بارعة في دار الأوبرا الأمريكية وراقصة باليه موهوبة.

ووصف السطوحي العلاقة بين إسرائيل والرئيس الأمريكي دونالد ترامب تشبه علاقة زوجة بارعة في التأثير على زوجها، حيث تفعل ما تريد مع إشعاره بأنه صاحب القرار٬ وأوضح أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يتبع هذا الأسلوب مع ترامب، مستغلاً غروره الواضح، فيُشعره بأنه المُتحكم في القرارات بينما يوجهه ويتلاعب بأفكاره٬ وأشار السطوحي إلى أن العديد من قادة العالم يدركون هذه الطريقة ويستخدمونها مع ترامب٬ فعلى سبيل المثال، فكرة تهجير الفلسطينيين من غزة، وهي فكرة تسعى إسرائيل لتنفيذها منذ عقود، لم تكن لتُطرح علناً بسبب معارضة المجتمع الدولي٬ لكن من خلال التلاعب بترامب، تم دفع الأخير للإعلان عن هذه الفكرة، مما مكّن إسرائيل من تنفيذ سياساتها القديمة تحت ستار مقترحات ترامب.
وعن احتمال احتلال غزة بالكامل كما يُعلن، أكد السطوحي أن القضية لا تتعلق بحماس أو أحداث السابع من أكتوبر، بل ترتبط بأزمة إسرائيل الداخلية. فإسرائيل تسعى إلى تطهير عرقي للقطاع بسبب تزايد عدد السكان الفلسطينيين، مما يُشكل تحدياً ديموغرافياً٬ وأوضح أن إسرائيل ترفض خيار الدولة الواحدة لأنه يهدد الهوية اليهودية للدولة، كما ترفض قيام دولة فلسطينية تضم الضفة الغربية وغزة. وبالتالي، يبقى التطهير العرقي هو الحل المفضل لديها، مستغلة أحداث حماس و7 أكتوبر كمبرر٬ وأشار إلى أن ما يحدث في الضفة الغربية، التي لا علاقة لها بحماس، حيث تم تهجير أكثر من 40 ألف فلسطيني، يؤكد هذا التوجه.
وأضاف السطوحي أن البديل المطروح حاليا٬ وهي خطة سمعها من عدة أشخاص على إطلاع بما يحدث في الغرف المغلقة الأمريكية٬ هو تقسيم الفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة إلى كانتونات صغيرة، لا تتجاوز سبعة أو ثمانية، تُدار بحكم ذاتي محدود، ليس كدولة ذات سيادة بل كبلديات ضيقة النطاق. وأكد أن هذه الخطة تُعد الأنسب من وجهة نظر إسرائيل، مشيراً إلى أنه سمعها من مصادر مطلعة على صنع القرار في الولايات المتحدة. ويرى أن إسرائيل تسير نحو تنفيذ هذه الخطة، مستفيدة من صمت بعض الدول العربية، ولو كان هناك تحرك عربي حقيقي لكان الوضع مختلفاً.