تفريط في الأمن القومي الناعم
طلب احاطة يكشف إغلاق 70 قصر ثقافة و120 منشأة تعمل بدون مدير

قدمت النائبة الدكتورة مها عبد الناصر، طلب إحاطة حول إغلاق عدد كبير من قصور ثقافة مصر والمكتبات العامة، وتأثيرها السلبي على مستقبل الوعي والإبداع، ووجهته إلى المستشار الدكتور حنفي جبالي، رئيس مجلس النواب، لتوجيهه إلى الدكتور مصطفى مدبولي، رئيس الوزراء، والدكتور أحمد فؤاد هنو، وزير الثقافة.
وقالت النائبة عن الحزب المصري الديمقراطي، إننا تابعنا مؤخرًا الكارثة الثقافية التي مثلتها إجراءات وزارة الثقافة بإغلاق عدد كبير من قصور وبيوت الثقافة والمكتبات العامة، وهي مؤسسات ظلت لعقود من الزمن إحدى أدوات الدولة في نشر التنوير ومواجهة الجهل والتطرف، وتتعرض اليوم للإغلاق واحدة بعد الأخرى، بحجة التطوير مرة، وتحت ستار ترشيد الإنفاق مرة ثانية، او بادعاء أن تلك المؤسسات غير جاذبة للجمهور على حد وصف المسئولين بالوزارة نفسها.
وحذرت عضو مجلس النواب في تصريحاتها لـ الصفحة الأولى من أن ما يتم رصده من قلب محافظات مصر، وبشكل خاص الوجه القبلي، يدق ناقوس الخطر، لأن الأمر لم يعد مجرد إغلاق مؤقت أو إصلاحات متعثرة، بل يشير إلى سياسة عامة قائمة على التخلي التدريجي عن الدور التنويري للدولة.
ولفتت إلى أن أكثر من 70 قصرا وبيت ثقافة ومكتبة أصبحوا مغلقون بشكل تام أو جزئي، رغم صرف مليارات الجنيهات على إنشائها وتطويرها، دون أي مردود فعلي مقدم حتى الآن، بالإضافة إلى أكثر من 300 منشأة ثقافية بالمحافظات لا تقدم أي خدمات حقيقية بسبب غياب العاملين، أو تهالك المباني، أو توقف الميزانيات، أو غياب البرامج، أو الإهمال الإداري.
وكشفت مها عبد الناصر عن أن هناك ما لا يقل عن 11 بيت ثقافة مغلق كليا أو يعمل بلا أنشطة حقيقية في محافظة سوهاج وحدها، مثل قصر ثقافة طهطا الذي أغلق للصيانة منذ سنوات ولم يفتح حتى الآن، وبيت ثقافة المنشأة الذي تحول إلى هيكل فارغ.
أما في محافظة قنا، تم توثيق غلق بيت ثقافة الوقف، وتعطل بيت ثقافة أبو تشت، ومكتبة العليقات، وفي أسيوط، أغلق بيت ثقافة ديروط منذ عام 2020، وقصر ثقافة القوصية أصبح شبه مهجور.
منشأت ثقافية بدون مدير
وقالت عضو مجلس النواب إن الهيئة العامة لقصور الثقافة، كشفت في تقاريرها عن أن هناك ما يزيد على 120 بيت ثقافة ومكتبة في قرى مصر تُدار حاليًا دون مدير دائم ولا تقدم أي أنشطة ثقافية فعلية، ومنها ما يستخدم كمخازن والبعض الأخر مهجور، وأكثر من 60% من هذه المؤسسات لم تنظم فعالية واحدة خلال عام 2024، كما أن معظم ميزانية الهيئة العامة لقصور الثقافة تذهب إلى أجور وبدلات إدارات لا تزور مواقعها أصلا.
وأكدت أن يثير الغضب أكثر، أن قرارات غلق قصور الثقافة الأخيرة جاءت بالتزامن مع تصريحات الوزير أحمد فؤاد هنو، لتبرير هذه الإجراءات بأن "الإقبال على المنتج الثقافي ضعيف"، فبدلاً من أن تبحث الوزارة عن سبب عزوف المواطنين عن هذه المؤسسات، سواء لعدم تطويرها أو غياب الأنشطة أو رداءة المحتوى، اختارت الحل الأسهل، وهو إغلاق المؤسسات، كمن يُعاقب المريض على مرضه بدلاً من علاجه، وكأن الحكومة قررت التخلّي تمامًا عن أبناء المحافظات، وتركهم فريسة للفراغ الفكري والجهل، دون حتى محاولة لإنقاذ ما تبقى من ملامح الثقافة العامة.
وحذرت عضو مجلس النواب من أن ما يحدث حاليا ليس مجرد تدهور إداري، بل انسحاب صريح من دور الدولة في بناء الإنسان المصري فكريًا ووجدانيًا، وهو انسحاب بدأ بهدم المكتبات وتحويل بيوت الثقافة إلى أطلال وسيُنهي بجيل لا يعرف الكتاب، ولا المسرح، ولا الموسيقى، ولا الفكر الحر، كما أن السكوت على هذه النكسة الثقافية يمثل تفريط في الأمن القومي الناعم للدولة المصرية، وضرب مباشر لهوية مصر التي كانت دومًا منارة للإبداع والفكر، وإن كانت الحكومة قد أنفقت المليارات في مشاريع البنية التحتية، فإن إغلاق بيوت الثقافة يُمثّل هدما ممنهجا لبنية الإنسان نفسه، وهو أفدح من هدم أي طريق أو كوبري.
وطالبت مها عبد الناصر الحكومة بإلغاء قرارات إغلاق قصور وبيوت الثقافة والمكتبات العامة، ووقف هذا النزيف الثقافي فورًا، مع وضع استراتيجية شاملة للتوسع في إنشاء وتحديث تلك المؤسسات داخل القرى والمراكز والنجوع، وتكثيف القوافل والأنشطة الثقافية المتنقلة في المناطق المحرومة، وتحديد جدول زمني دقيق لإعادة فتح كافة المواقع المغلقة فعليًا خلال مدة لا تتجاوز 6 أشهر، على أن يُتابع البرلمان هذه الخطة رقابيا وبشكل دوري.