معارك أكتوبر والنصر العظيم
«الإعلام» أداة خداع قبل الحرب وسلاح في المعركة وتوثيق لملحمة النصر

خاض الإعلام المصري بمختلف أدواته حرب أكتوبر المجيدة، جنبا إلى جنب مع القوات المسلحة المصرية بداية من الإعداد لها بخطة الخداع الاستيراتيجي وحتى إعلان النصر.
تلك الحرب التي لم تكن مجرد مواجهة عسكرية بالسلاح والذخيرة، بل كانت معركة متكاملة اشتركت فيها كل قوى الوطن، التى كان الإعلام المصري فيها أحد أهم الأسلحة الموازية للبندقية، فقد لعب دورًا بارزًا في شحذ الهمم ورفع الروح المعنوية للشعب والجنود على حد سواء، ونقل صورة الصمود والانتصار إلى الداخل والخارج، وبالكلمة الصادقة والصوت الهادف، نجح الإعلام في أن يكون جبهة ثانية توازي جبهة القتال، سلاحه الحقيقة، ورصاصاته الكلمة، ليكمل مع المقاتل المصري ملحمة الانتصار ويرسخ صورة النصر في وجدان الأمة.
وفى هذا الصدد، يقول الكاتب الصحفي محمد حسنين هيكل أن الإعلام كان سلاحًا موازٍ للبندقية في حرب أكتوبر؛ فقبل الحرب كان أداةً للخداع الاستراتيجي، إذ ساهم في نشر صورة زائفة بالاتفاق مع القيادة السياسية لإقناع العدو بأن مصر غير قادرة على القتال.
تعمدت الصحافة نشر أخبار بعثة الحج الخاصة بالقوات المسلحة فى أماكن بارزة، ونشر أخبار الدوري المصري وتسريح الاحتياط وغيرها من الأخبار التى عززت خطة الخداع الاستراتيجي التى اعتمدتها القيادة.
وعلى جبهة القتال كان المراسلون العسكريون فى قلب الحدث منذ اللحظة الأولى، وتوالت أخبار الانتصارات على صفحات الجرائد التى اكتسبت ثقة القارىء المصري والعربي سريعا.
وجاءت العناوين فى صحف الأهرام والأخبار والجمهورية «إسرائيل تعترف بنجاح العبور المصرى وتدفق المدرعات المصرية الى سينا، استولت قواتنا على معظم الشاطئ الشرقى للقناة... وتواصل القتال بنجاح قواتنا البحرية تدمر الأهداف الهامة للعدو على ساحل سيناء الشمالى المقاتلات المصرية تضرب مواقع العدو وتتدى لهجوم جوى كبير القوات السورية تقتحم مواقع العدو وتحرر جيل الشيخ وعدة مراكز بالجولان» ، أيضا نشرت جريدة المساء «قوتنا تواصل تقدمها في سيناء «القوات المصرية تتدفق عبر قناة السويس و تواصل تقدمها صباح اليوم و الاستباكات الأرضية و الجوية مستمرة، وتم تدمير 5 قطع بحرية للعدو و27 طائررة و 60 دبابة و15 موقعا حصينا و أسر عدد من جنود العدو، القوات السورية تواصل تقدمها في هضبة الجولان و تسقط 10 طائرات و تغرق 4 قطع بحرية» .
أثناء الحرب، تحول الإعلام إلى مكبر صوت للمعركة، ينقل البيانات العسكرية بسرعة ويضفي عليها البعد النفسي والمعنوي. فكانت إذاعة البيانات العسكرية بصوت المذيعين المشهورين – مثل أحمد سمير ومحمود سلطان – كان في حد ذاته جزءًا من معركة المعنويات.
عناوين الأهرام اليومية كانت تحمل روح المعركة والحماس الوطني مثل: العدد الصادر يوم 7 أكتوبر 1973 «قواتنا المسلحة تواصل تقدمها داخل سيناء.. وتحطم خط بارليف" وتفاصيل عن عبور القوات المصرية قناة السويس، وتأكيد على نجاح عملية العبور بنسبة 100%.
التصدى للشائعات
وفى العدد الصادر يوم 8 أكتوبر 1973 «سقوط خط بارليف.. والسيطرة الكاملة على الضفة الشرقية للقناة تغطية واسعة لمشاهد الجنود وهم يرفعون العلم المصري على الضفة الشرقية».
العدد الصادر يوم 10 أكتوبر 1973 كتبت الأهرام «الجيش المصري يلقن العدو درسًا قاسيًا.. وأسر مئات الجنود الإسرائيليين" صور للأسرى الإسرائيليين وتصريحات لقادة الجيش المصري».
وفى العدد الصادر يوم 13 أكتوبر 1973 «السادات: لن نعود إلى الوراء.. النصر لنا.. نصوص مقتطفة من خطاب الرئيس أنور السادات أمام مجلس الشعب أثناء الحرب».
كما كان للإعلام دور مهم في التصدي للشائعات والأخبار الكاذبة، حيث رد عليها بالحقائق أو بالصمت المدروس للحفاظ على الثقة. كما كان له دور بارز في تحويل النصر العسكري إلى ذاكرة وطنية من خلال المقالات، والأفلام، والأغاني، والبرامج الوثائقية.
وأثبتت الصحافة المصرية كذلك طوال المعركة أنها لم تكن مجرد ناقلة للأخبار، بل كانت جبهة داخلية توحد الشعب حول هدف واحد، فالعناوين والصور الضخمة في الجرائد خلقت حالة تعبئة عامة، كان تأثيرها مشابهًا لتأثير الأغاني الوطنية في رفع الروح المعنوية.
وبعد الحرب، استمر الإعلام في أداء رسالته، فكان أداة لتوثيق البطولات ورفع المعنويات ونشر الوعي السياسي، كما خلّد ذكرى النصر في وجدان المصريين والعرب ليبقى السادس من أكتوبر رمزًا خالدًا للعزيمة والإرادة والانتصار.
بعد الحرب، بدأت جريدة الاهرام تركز على بطولات الجنود ونتائج النصر واستعدادات ما بعد الحرب، وجاء فى العدد الصادر يوم 25 أكتوبر 1973 «وقف إطلاق النار.. والنصر في أيدينا» كان يهنئ الشعب المصري بالنصر وتدعو إلى التماسك والبناء، مقالات توثق بطولات الجنود والمقاتلين في عبور القناة وتدمير النقاط الحصينة.
لذلك كان الإعلام المصري أحد أعمدة هذا النصر العظيم، بسلاح الكلمة الصادقة وصوت الحق، فشارك المقاتل في خندق واحد، يقاتل بالوعي كما يقاتل الجندي بالسلاح، ليثبت للعالم كله ان الحرب ليثت بالسلاح فقط بل بوحده كل موسسات الدولة و الوعى لدى جميع افراد المجتمع .

