
هل شعرت يومًا بأنك تدفع ثمن نجاحك؟ ليس النجاح الكبير المبهر، بل مجرد خطوة صغيرة نحو التغيير، صورة تنشرها على فيسبوك وأنت تبتسم، أو مظهر جديد، أو إنجاز بسيط في عملك أو دراستك، تشعر بعدها بأن شيئًا ما في حياتك اهتز، علاقاتك لم تعد كما كانت، الناس تتجنبك، الأحاديث التي كانت ودودة باتت مشوبة بنبرة غريبة، وكأنك ارتكبت خطيئة لا تُغتفر: أنك قررت أن تصبح نسخة جديدة من نفسك.
الكثيرون يعانون من هذا الشعور، لكنه غالبا ما يُكبت في الصمت، لأن الحديث عنه قد يبدو نوعًا من "الدراما" أو الحساسية الزائدة، ولكن الحقيقة أن هذا الإحساس ليس فرديًا، بل مجتمعي، ناتج عن ثقافة مترسخة ترى في التغيير خطرًا، وفي النجاح الشخصي استفزازًا جماعيًا.
نحن نعيش في بيئة اجتماعية تضعنا تحت المجهر، حيث النجاح لا يُستقبل دائما بالتشجيع، بل أحيانًا بالريبة والحسد الخفي، والصدمة الكبرى أن هذه النظرات السلبية لا تأتي من الغرباء، بل من الأقرب إلينا: زملاء العمل، أصدقاء الدراسة، أفراد العائلة، أولئك الذين يعرفون تفاصيلنا الصغيرة، ويصعب عليهم تقبل فكرة أننا تجاوزنا المرحلة التي جمعتنا بهم ربما لا يُظهرون حقدهم علنا، لكنك تشعر به، في برودهم المفاجئ، في تعليقاتهم العابرة التي تحمل سخرية مموهة، أو في انسحابهم البطيء من حياتك، البعض منهم لا يكرهك كشخص، بل يكره التحول الذي طرأ عليك، لأنه يضعهم أمام حقيقة مؤلمة: أنهم لم يغيروا شيئًا في أنفسهم، وأنك قررت أن تخرج من القالب الذي ارتضوه لك، فهم لا يغفرون لك أنك كسرت التوقعات، وخرجت عن المسار الذي رسموه في أذهانهم.
ساحة اختبار يومي للعلاقات الإنسانية
السوشيال ميديا كانت من المفترض أن تكون مساحة للتعبير والاحتفال باللحظات الجميلة، لكنها تحوّلت إلى ساحة اختبار يومي للعلاقات الإنسانية، كل صورة تنشرها، كل إنجاز تشاركه، يصبح فرصة جديدة لمقارنة صامتة، وغالبا موجعة، بينك وبين من يراقبونك بصمت، في مجتمع يقدس الخصوصية لكنه يفرط في الفضول، تصبح كل صورة منشورة مادة خام لطاقة سلبية قد لا تُرى بالعين، لكنها تشعر في القلب.
السؤال الآن: ماذا نفعل؟ هل نكف عن مشاركة لحظاتنا؟ هل نعود لنخفي أنفسنا خشية من الحسد؟
الإجابة ليست في الانسحاب الكامل، بل في الوعي الذكي بما ننشره ولمن نوجهه، ليس كل إنجاز يحتاج أن يُعلن، وبعض لحظات الفرح أجمل حين تحتفظ بها في قلبك، من المهم أيضا أن نفلتر قوائمنا، ونفصل بين من يفرحون لنا حقًا، ومن يتربصون في صمت، ليس عيبًا أن تحد من جمهورك، بل هو حقك في الحفاظ على صحتك النفسية وسلامك الداخلي.
من الضروري كذلك أن نعيد تعريف النجاح داخلنا، أن ننجح لأجل ذواتنا، لا لأجل إثبات شيء للآخرين، أن نؤمن بأن الحاقدين لن يختفوا، لكن يمكننا أن نحرمهم من متعة التأثير علينا، قوتك لا تكمن فقط في ما تحققه، بل في صمودك أمام تلك الطاقات التي تحاول جرّك للخلف، استمر في المضي قدمًا، ليس بعناد، بل بثبات هادئ وواعي.
في النهاية، ليس ذنبك أنك تغيرت، الذنب في من ظنوا أنك ستظل كما كنت دائمًا، دعهم في أماكنهم، وواصل أنت طريقك، فالحياة لا تنتظر، ولا ينبغي لك أن تنتظر تصفيق من لا يتمنون لك خيرًا، عش لنفسك، وانجُ بذاتك، فالنقاء في قلبك أنقى من ضجيج العيون التي لا ترى فيك إلا ما يهدد ثباتها الزائف.