100 عام من التشريع
رحلة مجلس الشيوخ.. من أول ظهور في دستور 1923 حتى عودته في 2020

البرلمان المصري هوأعرق مؤسسة تشريعية في العالم العربي، ويمثل مجلس الشيوخ، كغرفة ثانية في النظام البرلماني، ركيزةً تكميلية لمجلس النواب، حيث يجمع بين الخبرة التشريعية والتمثيل الشعبي، منذ إنشائه الأول في القرن التاسع عشر، مر المجلس بمراحل متعددة من التأسيس، التوقف، ثم العودة، متأثرًا بالتحولات السياسية والدستورية التي شهدتها مصر.
تعود جذور الحياة النيابية في مصر إلى عهد محمد علي باشا، الذي أسس عام 1824 المجلس العالي، وهو أول هيئة استشارية في تاريخ مصر الحديث، وضع محمد علي في يناير 1825 لائحة أساسية حددت اختصاصات هذا المجلس، لكنه كان يفتقر إلى الطابع النيابي الحقيقي، إذ اقتصر دوره على تقديم المشورة الإدارية.
الخطوة الحقيقية نحو إنشاء برلمان نيابي جاءت في عهد الخديوي إسماعيل عام 1866، حيث أُسس مجلس شورى النواب، الذي يُعتبر النواة الأولى لمجلس الشيوخ، تكون هذا المجلس من 75 عضوًا يتم انتخابهم لمدة ثلاث سنوات من قِبل عمد البلاد ومشايخها في المديريات، وجماعة الأعيان في القاهرة والإسكندرية ودمياط، فكان هذا المجلس أول برلمان في العالم العربي يمتلك اختصاصات نيابية فعلية، حيث شملت وثيقتاه الأساسية والنظامية أول إطار دستوري للحياة النيابية.
في عام 1879، طُورت لائحة مجلس شورى النواب لتضم 120 عضوًا، مع منح المجلس سلطات أكبر في الأمور المالية وتكريس مبدأ المسؤولية الوزارية، لكن الخديوي رفض هذه اللائحة وحل المجلس في مارس 1879، إلا أنه استمر في عقد جلساته حتى يونيو من العام نفسه.
بعد ثورة 1919، التي طالبت بالاستقلال الوطني وإقامة حياة نيابية ديمقراطية، صدر دستور 1923 الذي أسس نظام المجلسين التشريعيين، مجلس الشيوخ ومجلس النواب، نص الدستور على أن مجلس النواب يتكون من أعضاء منتخبين بالكامل لمدة خمس سنوات، بينما يتكون مجلس الشيوخ من ثلاثة أخماس منتخبين وخمسيْن معينين من قِبل الملك. كان هناك مبدأ المساواة في الاختصاصات بين المجلسين كأصل عام، مع بعض الاستثناءات.
في عام 1971، صدر دستور جمهورية مصر العربية الدائم في عهد الرئيس محمد أنور السادات، وأُنشئ مجلس الشورى كغرفة ثانية للبرلمان، ليحل محل مجلس الشيوخ. عقد المجلس أولى جلساته في نوفمبر 1971، واستمر حتى عام 1980، عندما أُعيد تفعيله رسميًا بموجب استفتاء شعبي في 19 أبريل 1979. تكون المجلس من 264 عضوًا، منهم 176 منتخبين و88 معينين من رئيس الجمهورية، لمدة ست سنوات.
بعد ثورة 25 يناير 2011، ومع صدور دستور 2014، تم إلغاء مجلس الشورى، وقصرت السلطة التشريعية على مجلس النواب فقط، لتظهر الحاجة لاحقًا إلى غرفة ثانية لتعزيز التشريعية.
التوقف والعودة
توقفت الحياة النيابية في مصر خلال الحرب العالمية الأولى (1914-1918)، ثم صدر أمر بحل الجمعية التشريعية (التي كانت سلف مجلس الشيوخ) في 28 أبريل 1923، نتيجة التحولات السياسية التي سبقت إصدار دستور 1923.
استمر نظام المجلسين في دستور 1930، لكن التغيرات السياسية أثرت على استمرارية المجلس. بعد ثورة 1952، تم إلغاء نظام المجلسين، وصدر دستور 1964 المؤقت الذي لم يتضمن إنشاء غرفة ثانية، مما أدى إلى تركيز السلطة التشريعية في مجلس واحد.
في عام 2019، أُجريت تعديلات دستورية أعادت إنشاء مجلس الشيوخ بموجب استفتاء شعبي، وصدر قانون تنظيمه رقم 141 لسنة 2020 في عهد الرئيس عبد الفتاح السيسي، عاد المجلس إلى الحياة النيابية عام 2020، بمقر بشارع القصر العيني بالقاهرة، على بُعد 200 متر من ميدان التحرير.
الحرب العالمية الأولى (1914-1918): توقفت الحياة النيابية بسبب الحرب، وحُلّت الجمعية التشريعية (سلف مجلس الشيوخ) عام 1923.
ما بعد ثورة 1952 حتى 1971: بعد إلغاء نظام المجلسين، لم يكن هناك غرفة ثانية حتى إنشاء مجلس الشورى عام 1971.
2014-2020: ألغى دستور 2014 مجلس الشورى، وقصرت السلطة التشريعية على مجلس النواب، حتى عودة مجلس الشيوخ عام 2020.
يختص مجلس الشيوخ بمهام تشريعية واستشارية ورقابية، تشمل: دراسة وتعديل القوانين: يراجع مشروعات القوانين المقدمة من مجلس النواب ويقترح تعديلات، وتعزيز الديمقراطية: دراسة وطرح مقترحات لدعم الديمقراطية والسلام الاجتماعي، والرقابة: مناقشة السياسات العامة ومراقبة أداء الحكومة في بعض المجالات، والقضايا الوطنية: مناقشة الموضوعات المتعلقة بالأمن القومي والسياسة الخارجية.
يُعد مجلس الشيوخ ركيزة أساسية في النظام البرلماني المصري، حيث يعكس تاريخه الطويل تطور الحياة النيابية في مصر منذ القرن التاسع عشر، من مجلس شورى النواب في عهد الخديوي إسماعيل إلى عودته في 2020، مر المجلس بمراحل من التأسيس، التوقف، والتجديد، متأثرًا بالتحولات السياسية والدستورية، اليوم يلعب المجلس دورًا استشاريًا وتشريعيًا هامًا، يعزز الديمقراطية ويدعم استقرار النظام السياسي.