
أخلص الإنجليز بشدة من أجل إقامة إسرائيل وزرعها في قلب العالم العربى، فقد كان الإنجليز يحتلون فلسطين وغيرها من بلدان العرب حين أصدروا وعد بلفور 1917 بميلاد حركة هجرة لليهود بسكنى فلسطين، بل وتأسيس وطن قومى للشعب اليهودى، وبهذا الوعد الأثيم انطلقت حركة هجرة مكثفة لليهود من كل أنحاء الدنيا لتصب في فلسطين.
ولم يكن بوسع بريطانيا أن تمنح هذا الوعد لإسرائيل إلا بعد ما نجحوا في تحريض العرب على القيام بثورة عربية ضد الدولة العثمانية في 1916، كان من عواقبها تفتيت كيانهم وإضعاف شأنهم، فتحولوا إلى كيانات هشة كل حزب منهم بوعود الإنجليز لهم فرحون ! ! وبعد أن امتلأت أرض فلسطين باليهود المهاجرين وأضحوا كثرة ذات بأس، تشكلت عصابات يهودية شرسة أمثال عصابة الأرجون وغيرها، واستخدموا العنف بارتكاب مذابح في عرب فلسطين تشيب من هولها الولدان، وكان هذا تحت مسمع وحماية السلطة البريطانية التي سهلت هذه المجازر المروعة.
وكان اللافت للنظر ممارسة تلك العصابات أعمال عنف ضد المؤسسات الإنجليزية، ومنها تفجير فندق الملك داود في مدينة القدس في يوليو 1946 على يد عصابات الهاجناه، التي زعمت أن في هذا الفندق مكاتب للاستخبارات البريطانية، وهذه المكاتب تحمل وثائق ومستندا تدين اليهود في ارتكابها المجازر ضد العرب، لكن من نتائج هذا الحادث قتل عدد 91 شخصاً معظمهم من كبار العرب الفلسطينين مع بعض جنسيات أخرى، الأمر الذي يثير الريبة في غرض تفجير هذا الفندق وأنهم كانوا يقصدون في الأصل قتل الزعامات العربية ، بمباركة إنجليزية والواقع أن الاستخبارات البريطانية لا يهمها هدم الفندق حتى ولو أدى التفجير إلى وفاة بعض الأفراد الإنجليز، في سبيل أن تتحقق مكاسب اليهود التي تبناها الإنجليز على مسمع من الدنيا بهذا الوعد الأخبث.
السينما الإسرائيلية
ولم يخف على أحد حجم الصراعات التي دارت على يد تلك العصابات حتى أعلنت الأمم المتحدة قيام دولة إسرائيل 1948 وهنا بلورت السينما الإسرائيلية أعمالا تبرز تلك الفترة، ولكن بأشكال ملونة في تزوير التاريخ ، كلها تصب في الإرتقاء بالشخصية اليهودية على حساب الشخصية العربية ، وظهر في هذا الميدان فيلم (من أنتم) والفيلم أظهر الشخصية اليهودية في أرقى مظهر حضاري، في حين تبدو الشخصية العربية جلفة متخلفة، ويبدأ الفيلم بمشهد يظهرفيه اليهود المتحضرون وهم يزرعون الأرض ويعمرونها، وينسقون الزراعات في صورة بهية، وبدون سابق إنذار تهاجمهم قوة عربية يركبون خيولهم ويحاصرون اليهود وهم يفلحون الأرض ، وهنا وجه أحد العرب سؤالاُ موجهاً للإسرائيليين : من أنتم؟ فرد عليهم الإسرائيليون بنفس السؤال " من أنتم؟، ليبدأ الفيلم بهذا المشهد الاستفزازي والذي يعكس الانطباع بهمجية العرب وتحضر اليهود.
كما تناول الفيلم الفترة الزمنية التى أعقبت إنتهاء الانتداب الإنجليزى في فلسطين 1948، إذ حل الاسرائيليون مكان الإنجليز في ثكناتهم العسكرية، وليسكنوا مساكنهم، ولتبدأ مرحلة جديدة من الصراع بين العرب واليهود، تظهر اليهود أهل علم وبأس في حين يبدو التخلف والضعف على الشخصية العربية.
وألقى الفيلم عمدا الضوء عى حياة " ديفيد بن جوريون" منذ طفولته فهو أول من تولى رئاسة الدولة الإسرائيلية، ليبرز مرحلة النشأة والكفاح، ثم مرحلة الشيخوخة والحكمة التى صان بها دولة اليهود الجديدة في ظروف حالكة الظلام.
وأبرز الفيلم الشعارت اليهودية المؤثرة بصوت خلفى خافت ليقول "في البدء كانت التوراة، ثم الحلم، ثم الواقع"، وننتقل إلى صوت"بن جوريون" وهو يعلن قيام دولة إسرائيل وأبرز الفيلم بعض الشخصيات التى أسهمت في قيام إسرائيل وعلى رأسهم " هرتزل"، وهو يقترح بإقامة إسرائيل في "أوغندا" ورؤيته لهذا الاختيار، ولكن المشاورات أظهرت تفضيلهم لفلسطين لأن لها جاذبية !!، واعتمدت المشاهد السينمائية على إظهار المشقة التى بذلها اليهود فى إقامة دولتهم، في حين أظهرت العرب الفلسطينين وهم يجلسون في المقاهى يمزحون ويلعبون الطاولة ، ويدخنون الشيشة، وأخرون قد انهمكوا فى العزف على المزمار والإيقاع وهم يرتدون الطرابيش، وتتمايل رؤسهم طربا، وحتى الذين خلوا لمناقشات فارغة إنهمكوا فيها لم تعد عليهم بطائل.