و الأخيرة

رئيس مجلس الإدارة
أحمد عصام فهمي
رئيس التحرير
محمود الضبع
موقع الصفحة الأولى

كتاب الدولة اليهودية الذي ألفه "ثيودر هرتزل" في أواخر 1895 اعتمد فيه على تضخيم مسألة المظلومية والمسكنة، لقد طلب من أبناء اليهود جميعا في العالم أن يبالغوا في مرثيات اضطهاد الدول التي تأويهم، وبناءً عليه زعم يهود روسيا أن الحكومة تفترى عليهم وتفرض عليهم ما لا تفرضه على غيرهم، وكذلك زعم اليهود في فرنسا وانجلترا وألمانيا، وغيرهم حتى كانت أهداف دول أوروبا جميعاً التخلص من اليهود، نظراً لأفعالهم ومواقفهم المالية المريبة وتلاعبهم بالقوانين على حساب كل معالم الاستقرار في هذه البلاد، واليهود حين يتغنون بالاحزان يذكرون أن حملات طردهم ليست وليدة العصور الحديثة ، وإنما قد بدأت منذ العصور الوسطى ..، فقد طردهم الإنجليز في 1290 ، واتخذت المجر هي الأخرى مرسوما بطردهم 1349، وبعدها فرنسا في 1394، ثم النمسا في 1421، ونابولي 1510، وميلانو 1597 ، ثم إسبانيا في 1492 وكذا البرتغال بالتبعية في 1497، وغيرها من دول أوروبا . وهذا الكلام فيه شيئ من الصحة، ومن براعة سبل العرض اليهودي لتاريخهم أنهم يبرزون أشكال الاضطهاد دون الحديث عن أسبابه ومسبباته، وكأنهم خلقوا أبرياء لا يعرفون للشر طريقاً.

مثال ذلك فإن الروس – على سبيل المثال – حبسوا اليهود في الأحياء التي يسكنون فيها، بحيث لا يتجاوز أحدهم الحيّ الذي يسكنه إلى حيّ أخر، وربما تشدد بعض ولاة الأحياء في منع اليهودى من مغادرة الشارع الذي يعيش فيه حتى يأمنوا شره ، ونفوذه الخبيث وهنا يرهق الباحثون في استبيان الأسباب التي تثير الحكام والملوك لأن كتاب اليهود يتعمدون بحرفيه شديدة إخفاء هذه المثيرات ونضرب مثلا على ذلك ...في 31 من أغسطس سنة 1290 أصدر ملك انجلترا إدوارد الأول مرسوما ملكيا بطرد اليهود من بريطانيا، وأصبح بهذا القرار أول ملك يطرد اليهود من بلاده، وقد سبق الأسبان بهذا القرار ، وسبب الطرد يعود لتراكمات عديدة تحمل في طياتها صبر الملوك على هذه الفئة الانتهازية.

يحتاج لتدابير مالية باهظة

يذكر مؤرخو العصور الوسطى أن الملك ويليام الفاتح الملك الإنجليزي الأشهر أراد بناء عدد من الكنائس والكاتدرائيات الكبرى ، بعد مشاورات كنسية عديدة، وبالطبع كان يحتاج لتدابير مالية باهظة، لكن تعاليم المسيحية ترفض الاقتراض بالربا، فأرسل دعوة لليهود في سنة 1070 يدعوهم للقدوم إلى بريطانيا والاقتراض منهم كي يستطيع تشييد هذا العدد الكبير من الكنائس ، مع توفير المال اللازم الذي تحتاجه حكومته لهذا الأمر، وما يستجد من أعمال وبعد فتره تحول اليهود المقرضون إلى أثرياء فاحشى الثراء الاستغلالي، من أمثال"آرون" من لينكولن، "وليكوريتشيا" من أوكسفورد، الأمر الذي أضر بميزانية المملكة جمعاء، فكان بأيديهم المنع والعطاء والإضرار العظيم، مما أثار ذلك غضب الحكومة والشعب على السواء وهؤلاء احتكروا المهن المؤثرة، والاتجار في مواد البناء، والطعام حتى سيطروا على مصائد الأسماك - على سبيل المثال - ثم اتخذوا أماكن بعيدة عن مركز الحكومة حتى لا ترى حقيقة سبل هذا الثراء الفاحش، واتخذوا من " ويلز" مقرا لهم، لكن أثر فواحشهم قد بلغ كل بلدان المملكة وكذا نهجت عدد من الدول في أوربا هذا النهج فأصدروا مراسيم إدارية بطردهم، فهم فئة لا تعمل مطلقا لصالح الأوطان التي يعيشون فيها ولأن اليهود استمروا على سياستهم الاستغلالية عبر العصور، فقد أثاروا حفيظة كل الدول، فاتخذوا قرارات من شأنها التضييق عليهم، وهذا التضييق استغله هرتزل ليطالب اليهود أن يعلنوا هذا الاضطهاد ويبالغوا فيه، مع زرع فكرة الهجرة إلى مكان يلجأون إليه بعيدا عن هذا الاضطهاد ، وعليهم أن يرفعوا سقف الشكاوى مع البكائيات اللازمة لكسب التعاطف وهنا برع هرتزل في التركيز على تكوين العقلية اليهودية الجديدة، كي تستقبل فكرة الهجرة إلى وطن جديد يحيون فيه بعيدا عن اضطهاد الدول!!.

وفي مطلع الخمسينات قدمت السينما الاسرائيلية دعماً لتلك الفكرة لترسيخها في وجدان السابقين واللاحقين من أجيال اليهود وتحدثت جملة من الأفلام التسجيلية عن فكرة أرض الميعاد، وهي فكر حديثة نضجت منذ بواكير القرن الفائت وعملت صناعة السينما التسجيلية على أبعاد الشخصية العربية وإلقاء الضوء على سلبيات استمرار وجودها، وبلغ المكر أن أظهرت بعض هذه الأفلام التسجيلية، مدى ما أعاد إلى العرب عنصر الاستنارة بفضل اندماجهم مع اليهود، وأن معظم ما جاء إلى العرب من تقدم حضاري وإنساني كان بفضل اليهود، وأظهرت السينما التسجيلية الإسرائيلية ما بلغه العرب من تمايز بفضل اندماجهم مع اليهود في داخل اسرائيل، وقد أبرز فيلم "أنا أحمد" التسجيلي هذا العنصر، واستوت هذه الفكرة في فيلم "بن جوريون" الذي ظهر في حياته، ولا يغفل المشاهد ما احتواه الفيلم من جملة أكاذيب تاريخية صارخة وربما وقع الفيلم ضحية لأقلام النقاد نظرا لضعفه وتواضع مستواه، فنيا وفكريا، إلا أن الفكرة أصبحت معلومة من التاريخ بالضرورة، الأمر الذي يصعب على الأجيال الجديدة تكذيبها.

تم نسخ الرابط