بعد دحر الارهاب
مدير برنامج الإرهاب والتطرف : كيف تُدار الحرب الإدراكية ضد الجيش المصري؟
قدم الباحث محمد حسام ثابت، مدير برنامج الإرهاب والتطرف بمركز مسارات للدراسات الاستراتيجية، قراءة استراتيجية معمقة ترصد التحول الجذري في طبيعة التهديدات التي تواجه الدولة المصرية عقب النجاح الحاسم الذي حققته القوات المسلحة في دحر الإرهاب بشمال سيناء، مؤكدًا أن الصراع لم ينته عند حدود المواجهة الميدانية، بل انتقل إلى مستوى أكثر تعقيدًا يتمثل في معركة الوعي والحرب الإدراكية.
وأوضح ثابت أن فشل التنظيمات الإرهابية في تحقيق أي اختراق عسكري مباشر دفعها، ومعها دوائر إعلامية معادية، إلى تبني حملات دعائية ممنهجة تستهدف الجيش المصري بوصفه الركيزة الأساسية لاستقرار الدولة الوطنية، عبر خطاب يقوم على التشكيك والتضليل والاستنزاف النفسي طويل الأمد، في محاولة لكسر الثقة بين المؤسسة العسكرية والمجتمع، وإحداث تآكل تدريجي في الإدراك الجمعي.
وأشار إلى أن هذه الحملات لم تعد عشوائية أو تقليدية، بل تُدار وفق منطق عملياتي منظم، يعتمد على أدوات رقمية متقدمة، وفي مقدمتها الذكاء الاصطناعي وتقنيات التزييف العميق، لإنتاج سرديات زائفة سريعة الانتشار، تستهدف تشويه الإنجازات العسكرية والتنموية، واستغلال التداخل بين الملفات الأمنية والاقتصادية والمعيشية لخلق انطباعات سلبية تراكمية، دون ارتباط حقيقي بالواقع.
وكشفت القراءة أن الدعاية المناهضة تبلورت في عدة أنماط متداخلة، أبرزها الترويج لمزاعم الفساد وشيطنة القيادة العسكرية، ونزع الشرعية عن الدور التنموي والاقتصادي للقوات المسلحة، إلى جانب الحملات التحريضية الموجهة للضباط والجنود، فضلًا عن استهداف الفعاليات الدفاعية الكبرى، مثل معرض «إيديكس 2025»، باعتبارها منصات رمزية يُراد تقويض أثرها الاستراتيجي داخليًا وخارجيًا.
وفي تقييمه للتأثيرات الواقعية، أكد أن هذه الحملات، رغم كثافتها وتشعب أدواتها، لم تنجح في إحداث اختراق بنيوي داخل المؤسسة العسكرية، التي تتمتع بتاريخ ممتد من التماسك والانضباط والعقيدة الوطنية الراسخة، مشددًا على أن أقصى ما تحققه هذه الدعاية هو إحداث ضوضاء إدراكية مؤقتة تستهدف الاستنزاف المعنوي، لا تهديد الأمن القومي أو الجاهزية القتالية.
ودعا الباحث إلى التعامل مع هذا النمط من التهديدات باعتباره صراعًا طويل النفس، يتطلب انتقال الدولة من منطق الرد الإعلامي إلى بناء ردع معرفي وتفوق إدراكي، عبر خطاب مؤسسي استراتيجي ثابت، وتطوير منظومات إنذار مبكر، وكشف البنية الخفية لشبكات التضليل، إلى جانب توظيف الإنجازات الوطنية بوصفها أدوات ردع إيجابي في معركة الوعي.
واختتم ثابت قراءته بالتأكيد على أن معركة الوعي باتت أحد المحددات الرئيسية لاستقرار الدول، مشددًا على أن قدرة مصر على إدارة هذا الصراع بذكاء استراتيجي ستحول حملات التشويه من عبئ دفاعي إلى فرصة لتعزيز الثقة الوطنية، وترسيخ صورة الدولة القادرة على حماية أمنها القومي، وصيانة مؤسساتها، وتحويل انتصاراتها الميدانية إلى مكاسب إدراكية وسياسية مستدامة








