و الأخيرة

رئيس مجلس الإدارة
أحمد عصام فهمي
رئيس التحرير
محمود الضبع
موقع الصفحة الأولى

في عالم تتداخل فيه الحدود بين الحرب والسلام وتتشابك فيه أدوات الصراع، أدركت القيادة المصرية منذ البداية أن التحديات الكبرى التي تواجه الدولة لا تقتصر على المواجهات العسكرية التقليدية، بل تشمل أيضًا الحروب الفكرية والمعرفية، التي تهدف إلى استهداف العقول قبل الأراضي، وزرع الشكوك بين المواطنين وقيادتهم، هذه الرؤية الاستراتيجية تتجلى في خطاب الرئيس عبد الفتاح السيسي خلال الندوة التثقيفية الأخيرة للقوات المسلحة، حيث أكد أن حماية الدولة تبدأ بحماية وعي شعبها، وأن الأمن القومي لا يكتمل دون أمن فكري ومعرفي يصون الهوية ويحصن الإدراك العام، ويحول المواطن من متلقي إلى حارس لسلامة وطنه.
أولاً: الإرهاب الفكري كتهديد وطني مستمر
بعد القضاء الفعلي على الإرهاب المسلح في شمال سيناء وبقية المحافظات، اكتشف فلول التنظيمات الإرهابية وجماعات الفكر المتطرف أن العنف المسلح لم يعد طريقًا فعالًا لتحقيق أهدافهم، فالاتجاه الآن نحو الإرهاب الفكري أصبح الساحة الأكثر استغلالًا، إذ يسعى هؤلاء لتشويه الحقائق، ونشر المعلومات المضللة، وتحويل الشائعات إلى أدوات لإضعاف ثقة المواطن في مؤسسات الدولة، وقد أثبتت التجربة المصرية أن الخطورة في هذا النوع من الإرهاب لا تقل عن الإرهاب المسلح، إذ إنه يحاول زعزعة منظومة القيم الوطنية من الداخل، وإعادة إنتاج بيئة خصبة للفكر المتطرف.
ثانياً: الوعي الوطني كسلاح استراتيجي
تتعامل الدولة المصرية مع الإرهاب الفكري على أنه جبهة ردع جديدة، حيث يُنظر إلى الوعي الجمعي للمواطنين كخط دفاع أول وأهم، ونجاح مصر في مواجهة الإرهاب المسلح يوفر نموذجًا يمكن البناء عليه لمواجهة الإرهاب الفكري، كما نجح الجيش والشعب في دحر الجماعات المسلحة، يمكن للمجتمع المصري مدعومًا بقيادة واعية أن يصد الحملات الفكرية والتضليل الإعلامي، هنا يتجسد دور التعليم والإعلام والثقافة والفكر الديني في صقل القدرة النقدية للمواطن، وإكسابه مناعة فكرية، قادرة على التمييز بين الحقيقة والزيف، والوعي بالرسائل الموجهة نحو تشويه المشهد الوطني.

ثالثاً: دور الشعب المصري في مواجهة الحرب الفكرية

الشعب المصري كان ولا يزال محورًا رئيسيًا في كل معركة وطنية، من حماية الأرض إلى حماية الفكر، التضحيات التي قدمها الجنود والمواطنون في مواجهة الإرهاب المسلح شكلت قاعدة صلبة لبناء الثقة الوطنية، والآن يبرز دور الشعب في مواجهة الإرهاب الفكري من خلال الوعي الجمعي، والانخراط الواعي في الساحة المعرفية، ووعي المواطن تجاه الأزمات الحالية والمستقبلية، وقدرته على قراءة الرسائل الإعلامية بحذر وتحليلها بنقد، هو الضمانة التي تحول دون استغلال الجماعات المتطرفة للشائعات والتضليل.
رابعاً: القيادة السياسية واستراتيجية الردع المعرفي
القيادة المصرية، بقيادة الرئيس عبد الفتاح السيسي، لم تكتفِ بالقوة العسكرية، بل عملت على تعزيز الاستعداد الوطني في جميع أبعاده، بما في ذلك الردع الفكري، تسليح الجيش بالأسلحة الحديثة لا يعكس فقط استعدادًا لمواجهة أي تهديد عسكري محتمل، بل هو جزء من منظومة ردع أوسع تشمل أيضًا الحفاظ على الأمن المعرفي للشعب، ورفع مستوى الوعي الوطني، وصياغة ثقافة تحصن المواطنين ضد التضليل والتأثيرات الخارجية، وبهذه الطريقة، يتحقق التوازن بين القوة الصلبة والمعرفة القوية، ويصبح المواطن شريكًا في حماية الوطن.
ختامًا.. نجاح مصر في القضاء على الإرهاب المسلح شكل نموذجًا يحتذى به في الاستراتيجية الوطنية الشاملة، والإرهاب الفكري يمثل الآن التحدي الأكبر، لكنه أيضًا فرصة لتعزيز دور الوعي الجمعي كأداة ردع لا تقل أهمية عن القوة العسكرية، الشعب المصري، بقيادته الحكيمة ووعيه المتقدم، قادر على مواجهة هذا التهديد الجديد، وتحويل المعرفة إلى سلاح يحمي الدولة، ويضمن استمرار التنمية والاستقرار، ويعزز مناعة الوطن ضد كل أشكال العنف الفكري والتضليل.

تم نسخ الرابط