بسبب سياسة الطفل الواحد
التنين الصيني يبدأ رحلة دعم الزيادة السكانية بعد الوقوع فى «فخ الشيخوخة»
بعد أكثر من ثلاثة عقود من تطبيق سياسة «الطفل الواحد» للحد من الزيادة السكانية، الصارمة التي استهدفت الحد من النمو السكاني ودعم التنمية الاقتصادية، وجدت الصين نفسها أمام تحديات اجتماعية واقتصادية هائلة. فالسياسة التي بدأ تطبيقها في أوائل الثمانينات كإجراء مؤقت، تركت وراءها إرثاً ثقيلاً من المشاكل التي أجبرت بكين في النهاية على التراجع عنها تدريجياً.
وفى تطور نوعي، أعلنت الهيئة الوطنية الصينية لأمن الرعاية الصحية أن الحكومة ستتحمل جميع النفقات المتعلقة بالولادة على مستوى الأفراد اعتبارًا من العام المقبل، في إطار جهود بكين لتحفيز الأزواج الشباب على الإنجاب وتعزيز الزيادة السكانية.
وذكرت الهيئة، أن التعويض الكامل سيشمل جميع النفقات الطبية المشمولة بالسياسات المرتبطة بالولادة، بما في ذلك الفحوصات السابقة للولادة، بهدف تحقيق تغطية شاملة وعدم تحمل أي نفقات من الجيب الشخصي عند الولادة.
وتأتي هذه الخطوة في ظل تراجع مستمر في عدد السكان بالصين، حيث سجلت البلاد انخفاضًا سكانيًا للمرة الأولى منذ عقود في 2022، واستمر هذا التراجع حتى 2024. ويشير خبراء السكان إلى أن استمرار انخفاض معدلات المواليد قد يؤدي إلى تقلص القوى العاملة وارتفاع عدد كبار السن، ما يزيد الضغوط على الحكومات المحلية المثقلة بالديون.
وتسببت سياسة الطفل الواحد التي استمرت بين 1980 و2015، فى تراجع نسبة المواليد ووقف الزيادة السكانية وهو ما اظهر مشاكل اجتماعية عديدة واقتصادية عديدة.
وسبق لبعض المقاطعات الصينية، مثل جيلين، وجيانجسو، وشاندونج، تبني سياسات تجعل الولادة شبه مجانية، بينما أعلنت الحكومة في مارس الماضي عن إجراءات لدعم الأسر، تشمل إعانات لرعاية الأطفال وتعليم ما قبل المدرسي مجاني، وتوسيع إجازات الأمومة، ومزايا مالية وضريبية، إضافة إلى دعم الإسكان للأسر الجديدة.
وتعد هذه الإجراءات جزءًا من مساعي الصين لمواجهة التحديات الديموغرافية، وتأمين استدامة القوى العاملة، وتحفيز الشباب على بناء أسر وسط ظروف اقتصادية واجتماعية صعبة.
تسارع شيخوخة السكان
وأدت سياسة الطفل الواحد إلى مجموعة من التبعات السلبية غير المقصودة؛ أهمها تسارع شيخوخة السكان وانخفاض معدل المواليد بشكل حاد، مما أدى إلى زيادة سريعة في نسبة كبار السن في المجتمع، وهو الأمر الذى خلق عبئاً اقتصادياً واجتماعياً كبيراً على جيل الشباب لرعاية الوالدين والأجداد، فيما يعرف بـ «مشكلة 4-2-1» أى أربعة أجداد، اثنان من الوالدين، وطفل واحد.
كما أدي التفضيل الثقافي التقليدي لإنجاب الذكور إلى زيادة في حالات الإجهاض الانتقائي للفتيات أو التخلي عنهن، مما نتج عنه فجوة كبيرة في نسبة الذكور إلى الإناث، ومع انخفاض عدد السكان في سن العمل، تواجه الصين تحديات في الحفاظ على قوتها العاملة لدعم نموها الاقتصادي، مما يهدد استدامته على المدى الطويل.
كما تضمنت آليات تطبيق السياسة ممارسات قسرية مثل الإجهاض القسري، وفرض غرامات باهظة على المخالفين تصل إلى عدة أضعاف الدخل السنوي، وحرمان الأطفال بعد الطفل الأول من الأوراق الثبوتية والخدمات الأساسية كالتعليم والرعاية الصحية.
ولمواجهة هذه التحديات المتزايدة، بدأت الحكومة الصينية في تخفيف السياسة على مراحل، بدأت عام 2016 حيث ألغت الصين سياسة الطفل الواحد تماماً وسمحت لجميع الأزواج بإنجاب طفلين كحد أقصى، اعتباراً من الأول من يناير 2016.
ومع استمرار انخفاض معدلات المواليد وتفاقم أزمة الشيخوخة، أعلنت الصين في مايو 2021 عن سياسة جديدة تسمح للأسر بإنجاب ثلاثة أطفال، وتبع هذا القرار إلغاء الغرامات والعقوبات المفروضة على العائلات التي تنتهك حدود الإنجاب، في محاولة لتشجيع المزيد من الولادات.
على الرغم من التغييرات التشريعية، فإن الجهود الصينية لتعزيز معدلات المواليد وتحقيق الزيادة السكانية تواجه عقبات كبيرة حيث لم تؤد التغييرات في السياسات إلى طفرة كبيرة في المواليد كما كانت تأمل الحكومة، فالأسباب الجذرية لانخفاض معدل المواليد لا تزال قائمة، بما في ذلك ارتفاع تكاليف المعيشة والتعليم، وضغوط العمل، وتغير المفاهيم الاجتماعية لدى جيل الشباب.







