بلوغ مرتادى منطقة الاهرامات لـ7 ملايين سائح
خبير إقتصادى : المتحف سيضيف لدخل السياحة 3.6 مليار دولار بزيادة 20%
قال الخبير الاقتصادى الدكتور محمد سيد أحمد أن افتتاح المتحف المصري الكبير يمثل أحد أهم الإنجازات الحضارية والاقتصادية في تاريخ مصر الحديث. فهو ليس مجرد صرح ثقافي أو أثري، بل استثمار وطني ضخم تبلغ تكلفته أكثر من 1.2 مليار دولار، تم تمويل جزء كبير منه بالتعاون مع الوكالة اليابانية للتعاون الدولي (JICA)، بهدف تحويل التراث المصري إلى رافد اقتصادي مستدام.
وتسعى الدولة من خلال هذا المشروع إلى تحقيق هدف مزدوج: تعزيز الهوية الوطنية من جهة، وتنويع مصادر الدخل القومي من جهة أخرى. فالمتحف، بما يحتويه من أكثر من 100 ألف قطعة أثرية، بينها المجموعة الكاملة للملك توت عنخ آمون، يُعد منصة اقتصادية متكاملة ستُسهم في زيادة الإيرادات السياحية، وخلق فرص عمل مباشرة وغير مباشرة، وتخفيض معدلات البطالة، ودعم الاقتصاد المصري في مرحلة ما بعد الإصلاح المالي والنقدي.
الأثر المباشر على الإيرادات السياحية
وتشير التقديرات الأولية لوزارة السياحة إلى أن افتتاح المتحف المصري الكبير سيُحدث طفرة في الإيرادات السياحية السنوية، إذ يُتوقع أن يرفع عدد الزوار إلى ما بين 7 و8 ملايين سائح سنويًا خلال السنوات الثلاث الأولى من التشغيل، مقارنة بمتوسط 4.5 مليون حاليًا في منطقة الأهرامات.
وتشير الدراسات الاقتصادية إلى أن السائح الواحد ينفق في المتوسط نحو 1200 دولار في الزيارة، ما يعني أن زيادة 3 ملايين سائح إضافي قد تحقق نحو 3.6 مليار دولار سنويًا من العوائد المباشرة. وإذا أضفنا العوائد غير المباشرة (الإقامة، النقل، المشتريات، الخدمات المساندة)، فإن إجمالي الإيرادات المتوقعة قد تصل إلى 5 – 6 مليارات دولار سنويًا.
وأضاف أنه يمثل ذلك زيادة تقدر بحوالي 20% من إجمالي الإيرادات السياحية لمصر، التي بلغت نحو 13.6 مليار دولار في عام 2023، وفقًا لبيانات البنك المركزي المصري. وبذلك يُسهم المتحف في دعم ميزان المدفوعات وزيادة احتياطي النقد الأجنبي، بما يعزز استقرار سعر الصرف ويقلل الضغوط التضخمية.لمساهمة في خفض معدل البطالة وتعزيز التشغيل
ومن الزاوية الاجتماعية والاقتصادية، يُعتبر المتحف المصري الكبير مشروعًا مولّدًا للعمالة بامتياز.
فخلال مراحل الإنشاء والترميم التي استمرت قرابة عقدين، وفر المشروع أكثر من 10 آلاف فرصة عمل مباشرة في مجالات البناء والهندسة والترميم والنقل اللوجستي. ومع التشغيل الكامل للمتحف والمنطقة المحيطة به، يتوقع أن يتم توفير أكثر من 15 إلى 20 ألف فرصة عمل جديدة بشكل مباشر في القطاعات التالية:
• التشغيل والإدارة والأمن والصيانة داخل المتحف.
• خدمات السياحة والضيافة والمطاعم والنقل.
• التسويق الثقافي والإنتاج الفني والإعلامي.
أما التأثير غير المباشر فيمتد إلى نحو 80 – 100 ألف فرصة عمل إضافية من خلال تنشيط الصناعات الحرفية واليدوية والهدايا السياحية، ومشروعات المشروبات والأغذية والمرافق التجارية في نطاق الهرم والجيزة.
وبناءً على تلك الأرقام، فإن المتحف سيسهم في خفض معدل البطالة الوطني بنحو 0.2 إلى 0.3 نقطة مئوية سنويًا خلال السنوات الأولى بعد الافتتاح، في ضوء بيانات سوق العمل الصادرة عن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء (CAPMAS)، والتي تُظهر أن معدل البطالة بلغ 7.4% في الربع الثاني من 2025.
ثالثًا: تنشيط الصناعات والخدمات المساندة
المتحف لا يُنتج عائدًا من التذاكر فقط، بل يُحدث تأثيرًا مضاعفًا (Multiplier Effect) داخل الاقتصاد المحلي.
فكل جنيه يُنفق داخل المتحف يولّد إنفاقًا إضافيًا في قطاعات أخرى مثل:
• النقل والمواصلات: بسبب زيادة حركة السياح بين المتحف والمواقع الأثرية والفنادق.
• الصناعات الغذائية: لتغطية الطلب المتزايد في المطاعم والفنادق المحيطة.
• الطباعة والإعلام والتسويق: نتيجة الحملات الدعائية والأنشطة الثقافية.
• الصناعات اليدوية والحرف التقليدية: التي تشهد رواجًا مع زيادة الطلب على الهدايا التذكارية.
وتشير دراسة صادرة عن وزارة التخطيط والتنمية الاقتصادية 2025 إلى أن كل دولار يُستثمر في السياحة الثقافية يولّد ما بين 2 إلى 2.5 دولار من العائد غير المباشر في الاقتصاد القومي. وبناء على هذه المعادلة، فإن استثمار 1.2 مليار دولار في المتحف يمكن أن يدرّ على المدى المتوسط أكثر من 2.5 مليار دولار سنويًا من العوائد الاقتصادية المتراكمة.
رابعًا: الأثر على جذب الاستثمار الأجنبي وتعزيز الثقة في الاقتصاد المصري
من المتوقع أن يسهم افتتاح المتحف في تحسين الصورة الذهنية لمصر كدولة مستقرة قادرة على إدارة مشروعات كبرى بمعايير عالمية.
وقد أشارت الوكالة اليابانية للتعاون الدولي (JICA) في تقريرها الصادر عام 2024 إلى أن نجاح المتحف المصري الكبير في استكمال مراحله المعقدة “يمثل رسالة ثقة للأسواق العالمية في كفاءة الإدارة الحكومية المصرية”.
هذا النجاح يعزز فرص جذب الاستثمار الأجنبي المباشر (FDI) خاصة في قطاعات السياحة، والبنية التحتية، والتكنولوجيا الثقافية. وتشير توقعات مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار بمجلس الوزراء إلى أن الافتتاح الكامل للمتحف قد يرفع تدفقات الاستثمار الأجنبي بنحو 5 – 7% سنويًا في السنوات الثلاث التالية، أي ما يعادل 700 مليون إلى مليار دولار إضافي سنويًا.
كما أن الشراكات الدولية في إدارة المتحف والتسويق له (مع شركات يابانية وأوروبية) تسهم في نقل المعرفة والتكنولوجيا، بما يرفع من كفاءة الكوادر المصرية ويزيد من القيمة المضافة في قطاع الخدمات.

خامسًا: دعم المالية العامة وتقليل الضغط على العملة الأجنبية
يساهم المتحف أيضًا في زيادة إيرادات الدولة الضريبية وغير الضريبية عبر تحفيز النشاط الاقتصادي.
فمن المتوقع أن تدرّ التذاكر ورسوم الدخول والأنشطة التجارية بالمتحف إيرادات حكومية مباشرة تتراوح بين 1.2 و1.5 مليار جنيه سنويًا في العام الأول، ترتفع تدريجيًا مع زيادة عدد الزوار.
كما أن العوائد الدولارية من السياحة تساعد الدولة في تحسين ميزان المدفوعات وتقليص العجز الجاري، وهو ما ينعكس إيجابًا على استقرار الجنيه المصري ويقلل الحاجة إلى الاقتراض الخارجي.
وبذلك يصبح المتحف أداة غير مباشرة في تحقيق الاستقرار النقدي والمالي، خاصة مع اعتماد الاقتصاد المصري على تدفقات العملة الأجنبية من السياحة وقناة السويس والتحويلات.
سادسًا: الأثر الاجتماعي والتنمية المحلية
لا يمكن فصل الأثر الاقتصادي عن البعد الاجتماعي للمتحف، فالمشروع أدّى إلى تطوير منطقة الجيزة بالكامل من حيث الطرق والإنارة والبنية التحتية، مما انعكس إيجابًا على جودة حياة السكان المحليين.
وقد تم إطلاق برامج لتدريب الشباب في مجالات الضيافة وإدارة الفعاليات، ضمن مبادرات وزارة القوى العاملة بالتعاون مع وزارة السياحة، لتأهيل ما يزيد على 5000 شاب وشابة للعمل في وظائف مرتبطة بالمتحف والمنطقة الأثرية.
كما ساعد المشروع في إحياء الصناعات التراثية الصغيرة، خاصة الورش الحرفية في الفسطاط والجيزة، لتوريد المنتجات والهدايا التذكارية، ما يعزز من مشاركة القطاع الأهلي في العملية التنموية.
المتحف المصري الكبير رافعة للاقتصاد
إن المتحف المصري الكبير ليس مجرد مشروع أثري ضخم، بل ركيزة اقتصادية واستثمارية متكاملة.
فهو يضيف مليارات الدولارات إلى الدخل القومي، ويولّد عشرات الآلاف من فرص العمل، ويُسهم في خفض معدل البطالة، ويرسّخ الثقة العالمية في الاقتصاد المصري.
يمثل المتحف نموذجًا ناجحًا لتحويل الثقافة والتراث إلى اقتصاد منتج، ويعكس توجه الدولة نحو الاقتصاد القائم على الهوية الوطنية والمعرفة.
إن استدامة تشغيله ودمجه في الخطة القومية للتنمية السياحية سيجعل منه أحد أهم مصادر الإيرادات غير التقليدية لمصر خلال العقد القادم.
وهكذا، فإن المتحف المصري الكبير ليس مجرد "متحف" بالمعنى التقليدي، بل استثمار في المستقبل، وجسر يربط بين مجد الماضي وقوة الحاضر وطموح المستقبل في تحقيق رؤية مصر 2030.
المصدر الختامي: رؤية مصر 2030 – محور التنمية الاقتصادية والثقافية، مجلس الوزراء المصري، 2025.
