البداية منذ الحرب العالمية الثانية
من «الكوبونات» إلى «الكارت الذكي».. رحلة تطور صرف «التموين» للمواطنين فى مصر

في سياق يعكس التزام الدولة المصرية بدعم مواطنيها، خاصة الفئات الأكثر احتياجًا، تبرز منظومة «التموين» للمواطنين كأحد أهم أدوات الحماية الاجتماعية، التي شهدت تطورات كبيرة منذ منتصف القرن العشرين، في سياق يعكس التزام الدولة المصرية بدعم مواطنيها، خاصة الفئات الأكثر احتياجًا، من الكوبونات الورقية في زمن الحرب إلى البطاقات الذكية «الفيزا» والدعم النقدي المنتظر، تعكس رحلة منظومة التموين جهود الدولة لتحقيق الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي.
مع اقتراب تطبيق الدعم النقدي في 2025، تتجه مصر نحو مرحلة جديدة قد تعيد تشكيل هذا العقد الاجتماعي، لكن النجاح يتطلب موازنة دقيقة بين الكفاءة الاقتصادية والعدالة الاجتماعية، حيث تبرز منظومة التموين كأحد أهم أدوات الحماية الاجتماعية، التي شهدت تطورات كبيرة منذ منتصف القرن العشرين، بداية من كوبونات ورقية كان يتم توزيعها على المواطنين لصرف بعض السلع مثل السكر والزيت، انتهاء بالكرت الموحد أو الذكي للتحول إلى الدعم النقدي بشكل كامل.
في إطار التزام الحكومة بتحسين كفاءة المنظومة، أعلنت وزارة التموين في أغسطس 2024 عن خطة للتحول إلى الدعم النقدي بشكل تجريبي في 2025، يتوقع أن يحصل كل فرد على دعم نقدي يتراوح بين 175 و200 جنيه شهريًا عبر بطاقات "فيزا" مخصصة، مما يتيح حرية اختيار السلع من منافذ الوزارة هذا التحول، المدعوم بتوصيات البنك الدولي، يهدف إلى تقليل التسرب تعزيز الشفافية، وتمكين الأسر من تلبية احتياجاتها الفعلية، كما أطلقت تجربة الكارت الموحد في بورسعيد، لدمج خدمات التموين مع خدمات أخرى مثل التأمين الصحي، مع خطط للتوسع، ومع ذلك يبقى التحدي الأكبر هو ضمان استهداف الفئات الأكثر احتياجًا، وضبط التضخم للحفاظ على القيمة الحقيقية للدعم.
الحرب العالمية
وتدعم مصر مواطنيها منذ العام 1939 وقت الحرب العالمية الثانية، عندما واجهت مصر نقصًا حادًا في السلع الأساسية بسبب اضطرابات التجارة العالمية، وقتها اعتمدت الحكومة نظام الكوبونات الورقية لتقنين السلع مثل السكر، الزيت، والدقيق، كانت هذه الكوبونات تُوزع على الأسر للحصول على حصص محدودة من الجمعيات التعاونية أو البقالين المعتمدين.
مع ثورة يوليو 1952، أُسست منظومة التموين رسميًا كجزء من عقد اجتماعي بين الدولة والمواطنين، حيث أصبح الخبز البلدي ركيزة أساسية يُباع بسعر رمزي في المخابز العامة. كما شملت السلع المدعومة السكر، الزيت، الأرز، والشاي، وتم توزيعها عبر بطاقات تموينية ورقية تحدد حصة كل أسرة بناءً على عدد أفرادها.
في السبعينيات، ومع سياسة الانفتاح الاقتصادي في عهد الرئيس أنور السادات، حاولت الحكومة تقليص دعم بعض السلع لتخفيف العبء عن الموازنة. لكن محاولة رفع أسعار الخبز المدعم في 1977 أشعلت احتجاجات شعبية عُرفت بـ"انتفاضة الخبز"، مما أجبر الحكومة على التراجع والإبقاء على الدعم. استمر توزيع السلع عبر بطاقات التموين من خلال منافذ الجمعيات التعاونية والبقالين المعتمدين، لكن ضعف الرقابة أدى إلى تسرب السلع المدعومة إلى السوق السوداء، مما زاد من التحديات.
خلال فترة حكم الرئيس حسني مبارك، توسعت منظومة التموين لتشمل شرائح أوسع من السكان، حيث وصل عدد المستفيدين إلى أكثر من 60 مليون مواطن بحلول أوائل القرن الحادي والعشرين، شملت السلع المدعومة الخبز البلدي، الدقيق، السكر، الزيت، وأحيانًا المكرونة والعدس، وكانت تُصرف عبر بطاقات تموينية تحدد الحصص الشهرية ومع ذلك، تفاقمت مشكلات الفساد والتسرب، حيث كانت السلع تُباع في السوق الحرة، وارتفعت تكلفة الدعم إلى مستويات غير مستدامة، بحسب دراسات البنك الدولي، كان حوالي 30% من الدعم يذهب لغير المستحقين بسبب ضعف الرقابة.
بعد ثورة يناير 2011، بدأت مصر مرحلة إصلاحات جذرية لمعالجة عيوب المنظومة، في 2014 أطلقت الحكومة نظامًا جديدًا لدعم الخبز يعتمد على النقاط، حيث يحصل كل فرد على 5 أرغفة يوميًا بسعر 5 قروش، مع إمكانية استبدال جزء من الحصة بسلع تموينية. كما تم إدخال البطاقات الذكية لتتبع الصرف وتقليل التسرب. ووفقًا لتقرير البنك الدولي، أدت هذه الإصلاحات إلى تقليل هدر القمح من 15% إلى 8%، وانخفاض الانتهاكات في المخابز إلى أقل من ثلث مستوياتها السابقة بحلول 2015.
كما بدأت الحكومة في تنقية قواعد البيانات لاستبعاد غير المستحقين بناءً على معايير مثل استهلاك الكهرباء وملكية الأصول وأصبح الخبز يتم صرفه عبر مخابز مدعمة مزودة بأنظمة إلكترونية لتسجيل الكميات، والسلع التموينية تُصرف عبر منافذ التموين (جمعيات تعاونية، مشروع "جمعيتي"، وبقالي التموين)، حيث يحصل كل فرد على 50 جنيهًا شهريًا لشراء سلع محددة، تم تقديم دعم إضافي للأسر الأكثر احتياجًا (مثل زيادة حصص السكر والزيت).
الدعم النقدي
لا يزال نظام صرف السلع المدعمة يعتمد على الدعم العيني، حيث يحصل المستفيدون على الخبز (5 أرغفة يوميًا بسعر 5 قروش للرغيف) والسلع التموينية (50 جنيهًا للفرد شهريًا)، حتى مايو 2025، يتم صرف دعم إضافي (125-250 جنيهًا للبطاقة) لشراء سلع مثل السكر والزيت، وتعتزم الحكومة التحول إلى الدعم النقدي لبدء تطبيق الدعم النقدي بشكل تجريبي في 2025، حيث سيحصل كل فرد على 175-200 جنيه شهريًا عبر بطاقات "فيزا" مخصصة، مع إمكانية اختيار السلع بحرية ضمن الحدود المالية،كما في تجربة بورسعيد لدمج خدمات التموين مع خدمات أخرى مثل التأمين الصحي.
تتعاون وزارة التموين مع وزارات الاتصالات، المالية، الأوقاف، الإنتاج الحربي، الزراعة، والتنمية المحلية، إلى جانب جهات مثل البنك المركزي، جهاز تنمية التجارة الداخلية، ومؤسسة حياة كريمة، لتحسين منظومة التموين. هذه الشراكات تركز على التحول الرقمي، استدامة الدعم.
تدعم الموازنة العامة لتغطية تكلفة دعم الخبز (98 مليار جنيه) والسلع التموينية (36 مليار جنيه) في 2024/2025، والتنسيق مع البنك المركزي لضمان استدامة الاحتياطي الاستراتيجي.
على مدار عقود، كانت منظومة التموين رمزًا للعقد الاجتماعي بين الدولة والشعب، لكنها واجهت تحديات مثل الفساد، التسرب، وارتفاع التكاليف. الإصلاحات الحالية، بما في ذلك التحول الرقمي والدعم النقدي، تمثل خطوة نحو نظام أكثر عدالة وكفاءة. ومع ذلك، تظل الحاجة ملحة لتحسين استهداف المستحقين، تحديث قواعد البيانات، وتطبيق آليات تسعير مرنة تحمي المستفيدين من التضخم. وكما أشار مصدر في وزارة التموين، فإن نجاح هذه الإصلاحات يعتمد على استمرار الحوار الوطني والتعاون مع الجهات الدولية لضمان استدامة النظام.