و الأخيرة

رئيس مجلس الإدارة
أحمد عصام فهمي
رئيس التحرير
محمود الضبع

ثقافة مجتمع أم قيود بنكية

المركزي: 52 مليون عميل بنكي في 2024 وحاملي بطاقات الائتمان 12% فقط

موقع الصفحة الأولى

بطاقات الائتمان بقيت حجر عثرة أمام القفزة النوعية التي شهدها القطاع المصرفي، خلال السنوات الأخيرة خاصة في معدلات الشمول المالي، حيث توسّعت البنوك في تقديم الخدمات الرقمية، حتى وصل عدد العملاء الذين يمتلكون حسابات مالية إلى ما يزيد على 52 مليون عميل بنهاية ديسمبر 2024، وفقًا لما أعلنه البنك المركزي المصري في أحدث تقاريره الرسمية. ومع ذلك، فإن المفارقة المثيرة للانتباه أن عدد بطاقات الائتمان (Credit Cards) النشطة في مصر لم يتجاوز 6.3 مليون بطاقة، أي أن نسبة حاملي بطاقات الائتمان بين مالكي الحسابات البنكية لا تتجاوز 12% فقط.

وتدور التساؤلات عن الأسباب الكامنة وراء الضعف النسبي في استخدام أداة مالية تعتبر من أبرز أدوات التمويل والاستهلاك على مستوى العالم، فهل تعود الأسباب إلى ثقافة مجتمعية محافظة؟ أم إلى قيود بنكية تقليدية تحول دون توسيع قاعدة مستخدمي بطاقات الائتمان؟

من الناحية الاجتماعية، لا تزال شريحة واسعة من المواطنين، خصوصًا في المناطق الريفية وأوساط الطبقة المتوسطة، تنظر إلى بطاقات الائتمان على أنها "باب للديون" يجب تجنبه، وهي نظرة متجذرة في سياق اجتماعي يميل إلى التعامل النقدي المباشر ويفضّل تجنب أي التزام مالي قد يؤدي إلى الاستدانة. كما أن الوعي المالي بمفهوم الائتمان وأنظمة السداد المؤجل لا يزال محدودا لدى نسبة كبيرة من الجمهور، وهو ما يؤثر سلبًا على استعدادهم للتعامل مع هذه الأداة.

لكن الجانب الآخر من المعادلة يتعلق بسياسات البنوك نفسها، فالحصول على بطاقة ائتمان في مصر لا يزال مشروطا بعدد من المتطلبات التي يصعب على كثير من الأفراد استيفاؤها، منها تقديم إثبات دخل شهري ثابت، أو ضمانات مصرفية، أو وجود ودائع أو تحويل راتب. كما أن تصنيف العميل الائتماني (Credit Scoring) يُستخدم كأداة أساسية لتحديد الأهلية، ما يُقصي شريحة كبيرة من الشباب والعاملين في القطاع غير الرسمي الذين لا يمتلكون سجلًا مصرفيًا قويًا.

وعلى الرغم من وجود بدائل أكثر انتشارًا مثل بطاقات الخصم المباشر (Debit Cards) أو المحافظ الإلكترونية، إلا أن بطاقات الائتمان تظل الأداة الوحيدة التي تتيح للمستهلك شراء ما يحتاجه الآن وتسديد المبلغ لاحقًا، مع فترات سماح قد تصل إلى 55 يومًا. ومع ذلك، لم تنجح البنوك المصرية – حتى الآن – في تقديم عروض كافية تُبرز هذه الميزة، أو برامج تحفيزية جذابة كأنظمة "الاسترداد النقدي" (Cashback) أو النقاط التي يمكن استبدالها، كما هو معمول به في الأسواق المالية الأخرى.

الميل إلى المرونة 

تشير بيانات البنك المركزي إلى أن عدد بطاقات الخصم يتجاوز حاليًا 55 مليون بطاقة، بينما قفز عدد المحافظ الإلكترونية إلى أكثر من 31 مليون محفظة إلكترونية حتى نهاية عام 2024، ما يعكس ميل المستخدمين إلى الأدوات التي توفر مرونة أكبر وسهولة في التعامل، حتى وإن لم تمنحهم القدرة على السحب الائتماني أو الشراء بالتقسيط.

و مما سبق يتضح أن ضعف الانتشار مسئولية مشتركة بين المؤسسات المالية والمجتمع فالثقافة المجتمعية تلعب دورًا كبيرًا إذ لا تزال بطاقات الائتمان غير مفهومة بالشكل الكافي ، لكن بالمقابل فإن السياسات البنكية التقليدية (خاصة في البنوك الحكومية) تحد من سهولة إصدار البطاقة، وتُقيّد من فاعليتها كأداة دفع يومية.

ولكي يتجاوز القطاع المصرفي هذا التحدي، لا بد من تحول جذري في طريقة طرح واستخدام بطاقات الائتمان. فمن المهم أن تتجه البنوك نحو تبسيط شروط الإصدار، عبر إتاحة بطاقات بضمان تحويل الراتب أو الودائع، وإطلاق منتجات جديدة تلائم العاملين بالقطاع غير الرسمي أو أصحاب الدخول غير المنتظمة. كما أن توفير برامج تحفيزية حقيقية – سواء من خلال نقاط، أو خصومات، أو استرداد نقدي على المشتريات – قد يُعيد الثقة لدى العميل ويشجعه على استخدام البطاقة بشكل متكرر في حياته اليومية.

بجانب ذلك، فإن رفع مستوى الثقافة المالية بين المواطنين، من خلال حملات توعوية مكثفة عبر وسائل الإعلام ومنصات التواصل الاجتماعي، قد يُغير الصورة النمطية السلبية عن الائتمان، ويعزز فهم العملاء للفروق بين أدوات الدفع المختلفة.

كما يمكن للحكومة أن تلعب دورًا محفزًا في هذا الإطار من خلال دمج بطاقات الائتمان ضمن منظومة الدفع الإلكتروني للخدمات الحكومية (مثل سداد الضرائب، المصروفات الجامعية، وغيرها)، بما يرسّخ استخدام البطاقة كأداة رئيسية للتعامل اليومي، وليس فقط في حالات الطوارئ أو السفر.

تم نسخ الرابط