و الأخيرة

رئيس مجلس الإدارة
أحمد عصام فهمي
رئيس التحرير
محمود الضبع
موقع الصفحة الأولى

مخططات خارجية لتدمير الدول ونهب خيراتها، وطموح أعمى، يعمل كمعاول هدم لها.. وفي لحظات ضعف الدول، لا يظهر ذلك الخطر الخفي المدعوم من الخارج، بل يتسلل من داخل الدولة، متخفيا في صورة "طموح مشروع" أو "حق تاريخي" أو "بحث عن الاستقرار".. مسميات في ظاهرها نبيل، تجد من يدعمها من الخارج.

فعلى مدار التاريخ، لم تكن الجيوش الغازية وحدها سبب سقوط الدول، بل كان التفكك الداخلي، وتغليب المصالح الفردية، وصراع النخب على السلطة، وتصارع الأطراف، وقوى خارجية تراقب ثم تتدخل بعد انهيار الدول.. ومن ثم واستعمار كان ظاهريا أو خفيا.. وهو ما يحدث في القرن الإفريقي اليوم، عبر ملف "أرض الصومال"؛ حيث يتقاطع الطموح المحلي مع المصالح الدولية، في معادلة معقدة تهدد مفهوم سيادة الصومال.

ما يجري اليوم، في أرض الصومال لا يمكن قراءته بوصفه مجرد "سعي للاعتراف الدولي"، بل هو نموذج صارخ لتحويل فكرة الوطن إلى عرض استثماري مفتوح؛ تطرح فيه السيادة على طاولة المساومات الدولية، مقابل قاعدة عسكرية، أو امتيازات معدنية، أو ربما عرض للأراضي والمواني والمجال الجوي مقابل "توقيع اعتراف"..

مشهد يكشف حالة فراغ أخلاقي في فهم معنى الدولة.. فالدول لا تبنى بالصفقات، بل بالتوافق الوطني، ولا تحترم لأنها مفيدة عسكريا، بل لأنها تمتلك شرعية داخلية وسيادة غير مرهونة.

المشروع الخبيث

وهنا في هذا المشروع الخبيث الذي يردد أنصاره اليوم، بأن انفصال "أرض الصومال" أكثر استقرارا من مقديشو، قد يبدو للبعض كحجة صحيحة  لمن يجهل حقيقتها، لكنها خطيرة سياسيا فالاستقرار، مهما كان مهما، لا يمنح أي إقليم الحق في تمزيق دولة، ولا يبرر فتح الباب أمام إعادة رسم الخرائط بالقوة أو بالمقايضة على حساب الدولة؛ فلو كان الاستقرار معيارا للسيادة، لتحولت عشرات الأقاليم حول العالم إلى دول مستقلة وانفصلت عن الدولة الأم _"فوضى شاملة" .

طموح أعمى يطالب ويناشد الدولة العظمى، بالاعتراف والدعم، لكن الرهان على هذه الدول، هو رهان خاسر؛ لأن تلك الدول لا تعترف بدول لأنها" مظلومة" أو تدعم كيانات لأنها "مستقرة"، بل لأنها تخدم مصالحها المباشرة والقرن الإفريقي اليوم يتحول إلى ساحة صراع، طمعا في المعادن الاستراتيجية وخيرات هذا الجزء المهم من الخريطة، لذلك تتطلع الدول الكبرى إلى السيطرة على القرن الإفريقي، تحت زريعة "حق تقرير المصير"، شعارات زائفة _ لكيانات ولدت برعاية خارجية.

لم تكن الجغرافيا يوما نعمة خالصة، لعنة للجغرافيا حين يغيب الوعي، فالموقع الاستراتيجي الذي تتباهى به أرض الصومال، هو ذاته ما يجعلها عرضة لأن تتحول إلى قاعدة متقدمة في صراعات "لا ناقة لشعبها فيها ولا جمل".. فحين تمنح القواعد العسكرية، وتفتح المواني، وتربط الموارد باتفاقات طويلة الأمد، والحصول على الاعتراف بالانفصال من حينها يملك القرار؟!؛ فالدولة التي تبدأ وجودها برهن أمني واقتصادي، لا تولد دولة كاملة السيادة، بل ستكون كيانا هشا، يعيش على رضا الخارج، ويخشى غضبه.. وسرعان ما سيسقط عاجلا وليس آجلا.. فالقبول الدولي بانفصال أرض الصومال _ إن حدث، لن يكون نهاية الأزمة، بل بدايتها.. خاصة أنه سيشجع أقاليم أخرى، داخل الصومال وخارجها، على سلوك نفس الطريق.

إفريقيا عبر عقود مضت دفعت ثمن التقسيم الاستعماري، فهي الآن لا تحتمل موجة جديدة من التفكيك السياسي فالسيادة لا تشترى، ولا تمنح، ولا تستعار؛ إما أن تبنى من الداخل، أو تفقد إلى الأبد.

تم نسخ الرابط