في زمنٍ اختلطت فيه الأصوات وتزاحمت الصور، زمن الهَشَك بَشَك، حيث تُقدَّم أجمل رقصة وأعلى ضجة، باعتبارها فنًّا ورسالة،أطلّ علينا برنامج دولة التلاوة كنافذة نورٍ تشقُّ عتمة الدنيا، وكمعراجٍ يأخذ الأرواح بعيدًا عن صخب الأرض إلى رحاب السماء إنها دولة لا تُبنى بالحجارة، بل بالأصوات التي تحفظ كلام الله في صدورها وتحمله بأمانة على ألسنتها دولة حدودها السكينة، وجواز عبورها الإخلاص، وحكامها هم أولئك القرّاء الذين وهبهم الله حلاوة الصوت وصفاء القلب.
برنامج يعجز اللسان عن وصفه حقًا يعجز اللسان عن وصف هذا البرنامج الذي جاء في وقته المناسب، جاء ليقول للعالم: إن مصر التي تغنّت بالحضارة، وزُيّنت بالفنون، هي قبل ذلك وبعده أرض الكنانة، أرض القرآن، ومأوى التلاوة العريقة في دولة التلاوة، لا تتنافس الحناجر على التصفيق، بل على الخشوع ولا يركض القارئ خلف الشهرة، بل خلف لحظة صفاء يلامس فيها قلب المستمع فتدمع عيناه دون أن يشعر.
عالمٍ ترفرف الأرواح
يأخذنا البرنامج من ضجيج الحياة إلى عالمٍ آخر؛عالمٍ ترفرف فيه الأرواح حول العرش، حيث تتسامى النفوس وتخشع القلوب، وحيث لا يسمع السامع إلا نَفَسًا طاهرًا يتلو آية، فيشعر كأن الملائكة ترددها معه ما أروع أن ترى شباباً يافعـين شُغِفوا بالقرآن وما أجمل أن تسمع أصواتًا ندية، صادقة، تحمل نوراً لا يذبل، وتُعيد إلى قلوبنا معنى الطمأنينة التي طال غيابها.
لا تُعرف الأمم فقط بما تقدّمه من فنون ترفيهية، بل بما تقدّمه من روح وها هي مصر، كلما ظنّ الناس أنها منشغلة عن هويتها، تعود لتقول: “إهبطوا مصر… فإن فيها ما تلذّ به الأنفس وترقى به الأرواح.” هذه الأصوات القرآنية هي وجه مصر الحقيقي هي امتداد لمدرسة المنشاوي والحصري وعبدالباسط والطبلاوي بل هي وعدٌ جديد بأن القرآن ما يزال في هذه الأرض يُربّي أجيالاً لا تتبدل ولا تتغير.
برنامجٌ تتمنى لو بقي طويلًا، لو امتدّ حتى يكتفي قلبك خشوعًا كل دقيقة فيه هي عبادة، كل لحظة هي سكينة، وكل مشهد هو صفحة من كتابٍ يكتب فيه القرّاء مستقبل مصر القرآني هذه هي الدولة التي نحلم بها دولةٌ أساسُها كتاب الله، وعاصمتها القلب، وشعبها كل من آمن بأن القرآن ليس مجرد تلاوة، بل حياة دولة التلاوة ذلك الحلم الذي صار واقعًا، والواقع الذي صار جنةً صغيرة على أرض مصر.



