أول ظهور للجولاني بدمشق
«مندوب إسرائيل» فى المسجد الأموي قبلة المجاهدين ومنبر الزعماء
منذ صدر الإسلام واسم دمشق يرتبط بمسجدها « المسجد الأموي »، الذى أصبح منذ بنائه عام 13 هجرية، أحد أهم المساجد الجامعة في العالم الإسلامي.
ووفقا لمعظم المراجع التاريخية، يعد بناء المسجد الأموي نقطة تحول في تاريخ مدينة دمشق، حيث تحولت معه المدينة إلى واحدة من أهم مدن العالم العربى والإسلامى ومركزا من مراكزها السياسية والحضارية، وأصبح المسجد مركز انطلاق العلوم والثقافة والأدب نحو العالم أجمع.
هذه الحقيقة التاريخية، كانت وراء إصرار أبو محمد الجولاني أو أحمد الشرع زعيم هيئة تحرير الشام، على ترتيب الظهور الأول له فى دمشق من داخل المسجد الأموي، لمخاطبة دول العالم من نفس المكان الذى تحدث منه أبو عبيدة بن الجراح وصلاح الدين الأيوبي والعز بن عبد السلام وجمال عبد الناصر، وغيرهم من الزعماء والحكام .
تأسيس المسجد الأموي
ذكر المؤرخون روايتين عن تأسيس المسجد الأموي، تقول الأولى إن أصله هو ما اختطه الصحابى أبو عبيدة بن الجراح، أحد قادة الفتح الإسلامي، حين دخل دمشق عام 634، وأخذ النصف الشرقي للكنيسة المسيحية بها، وجعله مسجدا، وظل النصف الغربي للمسيحيين وفقا لشروط الصلح.
ثم عندما أراد الوليد بن عبد الملك أن يبني المسجد الأموي عوّض المسيحيين بمال عظيم وأخذ النصف الثاني من الكنيسة، وهُدمت وأقيم مكانها ومكان مسجد أبي عبيدة المسجد الأموي عام 706م.
أما الرواية الثانية فتقول إن المسجد أقيم مكان معبد وثني قديم للإله "جوبتير"، حوّله الإمبراطور "ثيودور" إلى كنيسة عام 379م عُرفت باسم كنيسة القديس يوحنا، فبنى أبو عبيدة بن الجراح المسجد الأول في دمشق، فلما جاء الوليد بن عبد الملك أرسى مسجده مكان المعبد والجامع والكنيسة معا.
وقد حشد الوليد لبناء المسجد حرفيين وعمالا من الفرس والهنود وفنانين من اليونان، واستمر البناء 10 سنوات واكتمل بعد وفاة الوليد.
ناصر يهاجم الشيوعية
وبعيدا عن روايات بناء المسجد الأموي، فقد صار المسجد رمزا يقصده الحكام والساسة والعلماء، لتوجيه الرسائل السياسية منذ قرون طويلة.
كان عبد الناصر فى سوريا بصفته رئيسا للجمهورية العربية المتحدة «مصر وسوريا»، كان حدث الوحدة بين مصر وسوريا عام 1958 يسيطر على المنطقة وعلى صراع القطبين الأمريكى السوفيتي، وفرضت أحداث ثورة العراق فى 14 يوليو 1958 نفسها لترتفع حدة الخلافات بين الزعيم جمال عبد الناصر والرئيس السوفيتي خرشوف، وكان وضع الشيوعية كأيدلوجية فى المنطقة العربية والشيوعيين العرب هو محور هذه الخلافات.
وجاء رد عبد الناصر من داخل المسجد الأموي في دمشق، في 7 رمضان 1378، شهر رمضان عام 1959، حيث هاجم عبدالناصر الزعيم السوفيتي نيكيتا خروتشوف، بقوة، وقال: إن دفاع خروتشوف عن الشيوعيين في بلادنا أمر لا يمكن قبوله، ويُعتبر تحديًا لإجماع الشعب في وطننا، إننا لن نبيع بلادنا .
وأكد عبد ناصر أن خروتشوف حُر فيما يقول ويفعل في الاتحاد السوفيتي، أما نحن فلسنا تحت وصاية أحد.
وإزاء قسوة رد عبد الناصر، توقعت الدوائر الغربية والعربية أن يكون الهجوم اللفظي المتبادل سببا في قطيعة نهائية بين الاتخاد السوفيتي والجمهورية العربية المتحدة، لكن، ما حدث كان على العكس، فقوة عبد الناصر، ورفضه لأي تدخل في شئون الجمهورية، واعتزازه باستقلاليتها، وعروبتها، زاد من توقير السوفييت له.
وكان لخطاب عبد الناصر من داخل المسجد الأموي الفضل فى الحفاظ على المسجد الوحيد فى موسكو الذى كانت تنتوي السلطات السوفيتية إغلاقه.
مسيحي على منبر المسجد
كان فارس خوري واحد من أشهر السياسيين الذين صعدوا إلى منبر المسجد الأموي فى دمشق، فقد شكل مجيئه إلى رئاسة الوزراء السورية سنة 1944 ــ وهو مسيحي ــ حدث غير مسبوق في التاريخ العربي، فإسناد السلطة التنفيذية إلى رجل غير مسلم يدل على النضج القومي الذي بلغته سوريا.
ويشهد موقفه مع المندوب الفرنسي في مجلس الأمن عام 1946 على ذكائه وفطنته، فقد جلس فارس خوري على مقعد المندوب الفرنسي، الذي طلب منه أن ينتقل إلى المقعد المخصص لسوريا، لكن فارس لم يفعل، وأخرج ساعته من جيبه وراح ينظر فيها.
غضب المندوب الفرنسي وثار، وبعد مرور 25 دقيقة قال له فارس بلغة فرنسية واضحة: سعادة السفير، جلستُ على مقعدك 25 دقيقة فكدتَ تقتلني غضباً وحنقاً، سوريا استحملت سفالة جنودكم 25 سنة، وآن لها أن تستقل
وأحبط فارس خوري مخطط الفرنسين الذين حاولوا تقسيم سوريا إلى عدة مناطق طائفية، وحاولوا استمالة المسيحيين، من فوق منبر المسجد، حيث ذهب إلى المسجد الأموي واعتلى المنبر، وقال: إن الفرنسيين يقولون إن المسيحيين يطلبون حماية منهم، وأنا من هنا أعلنها أنني أطلب الحماية من شعبي.
صلاح الدين الأيوبي بدمشق
وقبل أن يحتضن المسجد الأموي جثمان القائد صلاح الدين الأيوبي فى ضريح قرب الزاوية الشمالية الغربية للجامع عام 1193، فقد خاطب القائد الشعب العربي والإسلامي من فوق منبره لمقاومة الصليبيين حتى تحرير المسجد القدس الشريف.
وللغرض ذاته، كانت رحلة سلطان العلماء، العز بن عبد السلام إلى دمشق، لمواجهة تحالف الصالح إسماعيل مع الفرنجة ضد ابن أخيه نجم الدين سلطان مصر، وسلّم للصليبيين قلعة صفد والشقيف وصيدا وأباح للفرنج دخول دمشق، أفتى بتحريم بيع السلاح لهم ووقف على منبر الجامع الأموي شارحاً لذلك وقطع الدعاء للصالح، فبلغ ذلك للصالح فعزله ومنعه من الفتوى، فخرج من دمشق إلى مصر، وأرسل إليه الصالح أن يعتذر ويقبّل يده ليعود إلى مناصبه، فانتفض قائلاً: يا مسكين لا أرضاه يقبل يدي والحمد لله على ما عافاني مما ابتلاكم به. وصار الصالح يفتخر بما فعل به من عزل وسجن وإهانته وذكر ذلك لملوك الفرنج فقالوا له: لو كان هذا قسيساً لغسلنا رجليه وشربنا ماءها.
ومن داخل المسجد الأموي بدمشق بدأ العباسيون حملتهم على بني أمية، وأعلن سقوط الدولة الأيوبية، ومن قبلها الدولة الفاطمية .