و الأخيرة

رئيس مجلس الإدارة
أحمد عصام فهمي
رئيس التحرير
محمود الضبع

بدأ من محل صغير في الموسكي

محمود العربي، شهبندر التجار وتاجر الخير.. سمعته تحمل جواز سفر "حياه أبدية"

موقع الصفحة الأولى

وُلد رجل الأعمال محمود العربي عام 1932 في قرية أبو رقبة بمركز أشمون بمحافظة المنوفية، في أسرة متواضعة. كان والده مزارعًا مستأجرًا يعمل على أرض ليست ملكه، مما جعل الظروف الاقتصادية صعبة. لم يحظَ محمود بفرصة التعليم الرسمي بسبب هذه الظروف، فتوقف تعليمه عند حفظ القرآن في "الكُتّاب" وهو في الثالثة من عمره. لكن شغفه بالتجارة ظهر مبكرًا، إذ بدأ وهو طفل يبيع ألعاب الأطفال على مصطبة منزله خلال الأعياد، يدخر رأس المال ويعطي الأرباح لأخيه غير الشقيق لشراء بضائع جديدة.
هذه الموهبة التجارية لاحظها أخوه الأكبر، فأخذه إلى القاهرة ليعمل بائعًا في منطقة الموسكي. هناك، بدأ محمود العربي رحلته من عامل في المتاجر إلى شريك في محل صغير، ثم إلى صاحب عمل. لم ينسَ أبدًا قيمة الشراكة أو حق الفقراء، فكان يخصص جزءًا من ماله للمحتاجين منذ بداياته، مما أكسبه لقب "التاجر مع الله".

محل صغير ثم امبراطورية

في عام 1964، أسس محمود العربي "مجموعة العربي" التي بدأت كشركة لتجارة وتصنيع الأجهزة الكهربائية والمنزلية. حصل على توكيلات كبرى مثل توشيبا وشارب وسيكو، وتحول حلمه من التجارة إلى الصناعة. في عام 1975، زار اليابان ورأى مصانع توشيبا، فطلب إنشاء مصنع في مصر، اختار أرضًا على طريق مصر-إسكندرية الزراعي، وبعد موافقة خبراء يابانيين، أُسس أول مصنع للشركة في مصر، تبعه في 1982 إنشاء مجمع صناعي في بنها، ثم توسعت المجموعة لتشمل مجمع قويسنا الصناعي الذي يضم 16 مصنعًا مزودة بأحدث خطوط الإنتاج.
اليوم، تضم مجموعة العربي أكثر من 11 شركة، تصدر أكثر من 400 منتج إلى 60 دولة، بإجمالي صادرات تصل إلى 250 مليون دولار سنويًا، وشبكة توزيع تشمل 2800 مركز بيع و180 مركزًا لخدمات ما بعد البيع. يعمل في المجموعة أكثر من 40 ألف موظف، وتتجاوز مبيعاتها 10 مليارات جنيه (2016)، مع رأس مال يفوق 1.5 مليار جنيه. كما حصل العربي على وسام الشمس المشرقة من الإمبراطور الياباني أكيهيتو عام 2009 لدوره في تعزيز العلاقات الاقتصادية المصرية-اليابانية.

أبناؤه إرث يمتد عبر الأجيال، كان لمحمود العربي ستة أبناء وبنتان، وقد ساروا على نهجه في إدارة المجموعة والالتزام بالعمل الخيري. من بينهم، ابنه محمد محمود العربي، الذي أعلن وفاة والده عبر وسائل التواصل الاجتماعي، معبرًا عن فخره بإرثه. كما أشاد الرئيس عبد الفتاح السيسي بابنه إبراهيم العربي خلال افتتاح مشروعات قومية، واصفًا والده بـ"الرجل العظيم". يواصل أبناؤه إدارة المجموعة بنفس الروح التي غرسها والدهم، مع التركيز على الجودة والالتزام بالعمال والمجتمع.

أعمال الخير: تاجر محمود العربي مع الله لم يقتصر إرثه على الصناعة، بل امتد إلى العمل الخيري الذي كان جزءًا لا يتجزأ من فلسفته. أسس مؤسسة العربي لتنمية المجتمع عام 2000، وهي مؤسسة غير هادفة للربح تخدم أكثر من 4 ملايين شخص سنويًا من الفقراء، الأيتام، وذوي الاحتياجات الخاصة. تشمل أنشطتها دعم التعليم، الصحة، البيئة، والتنمية المستدامة في معظم محافظات مصر. كان العربي يتابع أحوال موظفيه بنفسه، يساعدهم في الأفراح والأحزان، ويخصص مكافآت عادلة، مؤمنًا بأن "الفقراء شركاؤنا".

عُرف عنه تواضعه وإيمانه بأن النجاح لا يأتي إلا بالعمل الجاد والصدق. رفض التطبيع مع إسرائيل، واشترط عدم التدخين كشرط للعمل في شركاته، مما يعكس مبادئه الأخلاقية الصلبة
لم يكن محمود العربي مجرد رجل أعمال، بل كان أبًا وقائدًا لأكثر من 40 ألف موظف في مجموعته، في أزمة كورونا، وعد نجله محمد بأن "الشركة لن تتخلى عن أحد"، وهو وعد يعكس إرث العربي الذي جعل الموظفين شركاء في النجاح. "الناس دي ربنا سخرنا ليهم، وسخرهم لينا"،كما ردد دائما “مفيش حاجة اسمها حد بيشتغل عندنا، اسمها بيشتغل معانا” هكذا كان يصف العربي علاقته بموظفيه، وهو ما جعل أحدهم يشارك رسالة شكر على يوتيوب، معبرًا عن امتنان "أسرة العربي" لقائدها.
في 9 سبتمبر 2021، رحل محمود العربي عن عمر 89 عامًا، تاركًا إرثًا يمتد أبعد من عمره. شُيعت جنازته في قريته أبو رقبة بحضور آلاف المصريين الذين عبروا عن حزنهم لفقدان "شهبندر التجار". لقد كان رجلاً لم يكتفِ ببناء إمبراطورية صناعية، بل بنى جسورًا من الخير والمحبة، ليبقى اسمه محفورًا في قلوب المصريين كرمز للعصامية والعطاء.

تم نسخ الرابط