و الأخيرة

رئيس مجلس الإدارة
أحمد عصام فهمي
رئيس التحرير
محمود الضبع
موقع الصفحة الأولى

في مثل هذه الأيام من كل عام يحدث السلفيون ضجة مفتعلة بشأن عدم دفع زكاة الفطر من النقود ، والإصرار على إخراجها " حبوب " وتبدأ رحلة جدال عقيمة تفيد بأن الأمة ليس بها مشاكل ، وأنها تحيا في رفاهية ! ويستند السلفيون إلى حديث ابن عمر أن النبى قد أمر بإخراجها " .. صاعاً من تمر أو شعير " وفى رواية أخرى " .. أو من أقط " وهو من منتجات الألبان بعد تجفيفها .
وبلغت مرحلة التشدد أن بعضهم لا يجيز أن تخرجها " مالاً " !! . والواقع أننا بلغنا مرحلة من التراجع العقلى البغيض ، ولو أن أحدهم قيم مع نفسه ما هي الأمور التي يثور من أجلها ، والأمور التي لا تعنيه لشك في إسلامه من الأصل . وسمعت أحدهم وهو يهاجم من يدفعوها مالاً ، ويرى أن ذلك بخلاف السُنة التي يجب أن نتبعها ، لأن النبى صلى الله عليه وسلم حدد صنفين أو ثلاثة ( التمر أو الشعير أو الأقط ) . بمقدار (صاع) لصنف واحد منهم .
والغريب أن عددا كبيرا من الصحابة قد خالف النص من حيث النوع والكمية ، فإن عددا منهم وجد في زمانه أن نصف صاع من قمح ، يعدل صاعاً من تمر أو شعير ، فأخرجوا نصف صاع من القمح في زكاة فطرهم . فهل خالف هؤلاء الصحابة الشرع في شيء ، أو تجاهلوا السُنة ؟ ! 
بل أن ابن المنذر يخبر بأنه لم يرد خبر موثق عن النبى يعتمد عليه بشأن القمح ، مؤكدا بأن القمح بالمدينة في ذلك الوقت لم يكن بالسلعة المتوفرة على عكس  الشعير ، وأن زمن الصحابة ـــ بعد النبى ــ رأوا أن نصف صاع من القمح يقوم مقام صاع كامل من الشعير . ويزيد ابن المنذر عن عثمان ، وعلى ، وأبى هريرة ، وجابر بن عبدالله ، وابن عباس ، وابن الزبير ، وأمه أسماء بنت أبى بكر وغيرهم قد رأوا جميعا إخراج زكاة الفطر نصف صاع من قمح . فهل يفيد ذلك سوى أن الاجتهاد في هذا الأمر مفتوح في حدود النص ؟ 
وهذا ما أكده رواة الحديث عن سعيد الخدرى قال : " كنا نخرج زكاة الفطر إذ كان فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم صاعا من طعام ، أو صاعا من تمر ، أو صاعا من شعير ، أو صاعا من زبيب ، أو صاعا من أقط ، فلم نزل كذلك حتى قدم علينا معاوية المدينة فقال : إنى لأرى مُدَين ( أي نصف صاع ) من سمراء الشام ( يعنى القمح) تعدل صاعاً من تمر ، فأخذ الناس بذلك ، إن هؤلاء الصحابة قد خالفوا النص ووجدوا أن القمح أكثر ثمنا من غيره ، فأخذوا جميعا بهذا الرأي .

نصوص الفقهاء 

وجاء الفقهاء ليضعوا كل النصوص أمامهم ، ونظروا لروح النصوص والغاية منها ، والتطبيقات العملية لإخراج الزكاة ، فوجدوا قول عمر بن عبدالعزيز وغيره بإخراجها ( نقود) وهكذا فعل ، وهذا ما أفتى بع أبو حنيفة و أصحابه ومدرسته الفقهية ، فالنبى قد راعى ظروف البيئة والزمن فأوجبها من الطعام الموجود في أيدى الناس ، خاصة وأن النقود قليلة بين أيدى العرب ، وفى الشرع أن كل شيء له قيمة هو في الأصل مال، إننا ننظر إلى تعريف البيع في الفقه ــ مثلا ــ فتجدهم يعرفون البيع بأنه " مبادلة المال المتقوم ـ الشىء الذى له قيمة مالية ــ بالمال المتقوم تمليكا وتملكا " بل كانت التعويضات تدفع من تمر المدينة ، الذى يعتبر المال الذى يدفعونه ، بل ويشترون به .

وبعضهم كان يشترى ما يريد بالزبيب أو الشعير، وظهرت آنذاك أحكام المقايضة بشروط تحكمها قاعدة 
" ولا تبخسوا الناس أشياءهم " . فإذا دخل السلفيون في معركة كل سنة مع الناس ليخرجوا زكاة الفطر حبوبا من منتج أهل البلد التي يعشون فيها ، يكونوا بذلك قد خالفوا نص السُنه كما يدعون ، لأنهم أخرجوها أرزا أو عدسا أو ذرة أو كما يدعون ، إن التشدد حالة مرضية يحسنها كل فرد لا يفهم روح الشريعة ولا مقاصدها ، فهل بتشددهم المقيت قد أصابوا السُنة ؟ !إن المقصود من زكاة الفطر إغناء المساكين عن السؤال والطواف على البيوت والشوارع يتسولون أسباب الحياة والبقاء . كما قال الرسول : " أغنوهم عن السؤال فى هذا اليوم " ، فهل السؤال منهم يعنى منحهم طعاماً فحسب ، أم أن الإغناء يكون بالمال أيضا ؟ ! إن هناك تياراً يبعد بعقله عن الواقع بعد المشرقين عظيم ، فهلا أرحونا من هذا العوج في التفكير ؟ ! ، إن عمر بن عبدالعزيز لم يكن على معصية حين جعلها مالاً ، ولم يخالف أبو حنيفة الشرع حين أجازها مالاً ، فكما راعى معاوية وعمر بن عبد العزيز وغيرهما عنصرا الزمان والمكان مع طبيعة السكان ، فإن جمعا من الفقهاء قد أجاز ذلك .... ، وعلى الناس أن ينظروا ما فى مصلحة الفقير فليقوموا به فى هدوء وبلا ضجيج . 

تم نسخ الرابط