
تأرجح بين الدارسين والإعلاميين منذ تاريخ تأسيس إسرائيل أن المقاتل الإسرائيلي كائن دموى يتصف بالخسة، وأقوال أخرى بأقلام بعض الأوروبيين يركز على شجاعته وبسالته، الرأى الأول اعتمد على تاريخ الغدر والمذابح التى أجراها في الفلسطينيين العزل منذ بواكير منتصف القرن الماضى، والرأى الثانى كان من بريطانيا وفرنسا وأعوانهم حيث الإشادة بالجندى الإسرائيلي الذي احتقر العرب وأسهم في عقابهم، فضلا عن زوال إسرائيل عن أوروبا والذي أصبح حلم أوروبا الذي تحقق، ومنذ تحقيق هذا الحلم وأوروبا لا تفتأ تمدح اليهود في كل واد.
وهذا التأرجح لفت نظر اليهود بالطبع، فبذلوا جهدا في تحسين الصورة، التى لوثت المقاتل الإسرائيلي، المعروف بارتكابه جرائم حرب مروعة، لذلك منذ مطلع سبعينيات القرن الماضى قامت إسرائيل بإنتاج عدد من الأفلام التسجيلية التى تصور شجاعة الجندى الإسرائيلي، وتلونه بالصورة الحضارية المزيفة.
في عام 1970 تم انتاج فيلم " أرض الميعاد" بإخراج الألمانى " مانفريد فوش"، والذى صوره في المناطق الحية في فلسطين، ولم يعجب السلطات الإسرائيلية السيناريو والمشاهد التى اتخذها المخرج سبيلا لتحقيق هدفه من الفيلم. وبدأت السلطات الإسرائيلية في خلق مشاكل عديدة مع المخرج، وساوموه على قبول تصوير مشاهد أخرى والزج بها في الفيلم، مما جعل الفيلم يبدو ساذجا مهتزا، الأمر الذي أغضبه إلى درجة جعلته يفصح عما تعرض له، والمساومة الرخيصة التى أجبرته إسرائيل عليها، ثم بدأ يظهر عما يدور في إسرائيل حقيقة ودون مواربة.
وكان المخرج الألمانى " مانفريد فوش" قد أسس جماعة فنية اسمها "مجموعة ميونيخ"منذ 1963. فلما تعرض له في إسرائيل من اضطهاد أثناء عمل فيلمه "أرض الميعاد" عاد إلى جماعته ليقوم بدور عكسى اعتمد على الحقيقة، وذلك بإخراج عدد من الأفلام التسجيلية للرد على الأفلام التسجيلية الإسرائيلية المزورة، التى تهاجم العرب وتشوه سيرتهم.
امتزاجاً أفكار الشباب الاشتراكية بالأفكار الصهيونية
وزاد من ضيق المخرج الألمانى أنه وجد تغلغلاً للأفكار الصهيونية الإسرائيلية قد تسربت إلى نقابات العمال في المانيا الغربية قبل انضمامها إلى المانيا الشرقية ووجد كذلك امتزاجاً بين أفكار الشباب الاشتراكية بالأفكار الصهيونية، مما جعله يدرك أبعاد التدخل مع الأماكن الحيوية في ألمانيا الغربية والتى من شأنها توجيه السياسات والرأي العام.
وبعد نكسة 1967 توجهت القوى الديمقراطية في المانيا إلى شجب العدوان الإسرائيلي على الدول العربية، وعقد الندوات والمؤتمرات المناهضة لهذا العدوان الأثيم وقام رئيس الطائفة اليهودية في ميوينخ بتكثيف نشاط صهيونى ضد القوى الديمقراطية في ألمانيا مشككاً في تأييدهم للعرب الذين تعرضوا لغدر اليهود، وردا على هذا الموقف من رئيس الطائفة كانت "مجموعة ميونيخ" قد أعدت فيلماً وثائقيا تسجيلا بعنوان:"أين تقع فلسطين"،أدانوا فيه العدوان الصهيونى على أرض فلسطين مواجها بوجه صريح جملة الأفلام التسجيلية الصهيونية التى اعتمدت على تزوير التاريخ ، وقدم هذا الفيلم في مهرجان السينما الذى أقيم في برلين، وإذا بجهود صهيونية خفية تسرع بالعمل على عدم عرض هذا الفيلم ، معللين أن عرضه يسىئ إلى العلاقات الحسنة مع ألمانيا، والطائفة اليهودية في برلين.
واستمرت هذه المعركة.. فإذا بمجلة "كويك" الواسعة الانتشار تفتح هذا الملف مؤكدة أن يدا خفية للمخابرات الإسرائيلية كانت من وراء عرقلة هذا الفيلم، الذي كشف وجه إسرائيل الحقيقي وعنصريتها، وبدءا من هذا تحركت الاستخبارات الإسرائيلية لتلاحق أية جهود وأنشطة فنية ضد إسرائيل..ولم تستسلم "مجموعة ميونيخ" لهذا الاختراق الفج، وتحركت في هدوء، ووصلت بفيلم:"أين تقع فلسطين" إلى مهرجان"أوبرهاوزن"في شمال الراين وستغاليا، حيث المهرجان الأقدم في نشر الأفلام القصيرة والتسجيلية والوثائقية والذى أسس في 1954م ومن هذا المهرجان بدأت نقطة جديدة بشأن نشر هذا الفيلم حيث نجحت دعاية "مجموعة ميونيخ" في توصيل معلومات حقيقية عن مضمون الفيلم، الأمر الذى جعل محطات تليفزيونات كندا تطلبه لتعرضه على جميع أنحاء الدولة، ولترد به على أفلام إسرائيل التسجيلية المزورة للتاريخ، كذلك أخذته تليفزيونات لندن وبلغاريا، والاتحاد السوفيتى واليابان...وغيرهم من الدول التى آثرت احترام وتقدير الحقائق و الحريات.