و الأخيرة

رئيس مجلس الإدارة
أحمد عصام فهمي
رئيس التحرير
محمود الضبع

معاناة الشعب الصامد ضد الاحتلال

"حين يصبح الخبز سلاحًا : قراءة قانونية في سياسة الحصار ضد غزة"

موقع الصفحة الأولى

تفرض قوات الاحتلال سياسة الحصار على قطاع غزة منذ اندلاع أحداث السابع من أكتوبر 2023 التي بوصفها إحدى الأدوات الرئيسية التي لطالما اعتمدت عليها في استراتيجيتها العسكرية ضد المدنيين الفلسطينيين. واستخدام تجويع المدنيين كأداة حرب يُعد انتهاك صارخ لحقوق الإنسان وتعدي على القانون الدولي الإنساني الذي يحظر استخدام هذا النوع من السياسات كوسيلة ضغط بموجب اتفاقيات جنيف وبروتوكولاتها الإضافية. فالممارسات الإسرائيلية في قطاع غزة مازالت تعتمد على تنفيذ سياسة التجويع بشكل واسع ومُمنهج.

فمنذ أحداث السابع من أكتوبر، ووفقًا للبيان الأخير الذي صدر عن مكتب الأمم المتحدة لحقوق الإنسان بشأن هذه القضية  قامت قوات الاحتلال بأعمال عدائية وفرضت قيودًا شديدة على المساعدات الإنسانية وصولًا إلى الحصار الكامل الأمر الذي أدى إلى تدمير حياة ما يقرب من " ٢.٥ " مليون فلسطيني، بالإضافة إلى تدمير البنية التحتية الأساسية. فمثل هذه السياسات تتناقض بشكل مباشر مع اتفاقية جنيف الرابعة لعام ١٩٤٩ والتي" تحظر استهداف المدنيين بحرمانهم من المواد الضرورية لحياتهم"، علاوة على أن البروتوكول الإضافي الأول الصادر عام ١٩٧٧ ينص على "حظر استخدام التجويع سلاحًا في النزاعات الدولية المسلحة"،  ولا يخفي أن إقدام قوات الاحتلال على هذه السياسة إنما يستهدف إضعاف المقاومة في القطاع في المقام الأول فالحصار لا يقتصر على تجويع المدنيين أو حرمانهم من أساسيات الحياة فقط بل يشمل حرمان المدنيين من الحصول على العلاج الطبي، إذ أكدت تقارير منظمة الصحة العالمية أن وجود نقص في الأدوية والمستلزمات الطبية يزيد من معاناة المصابين داخل المستشفيات حيث إن بعض الحالات لا تستطيع الوصول إلى العلاج المناسب، وبناءً على ذلك يمكن اعتبار الحصار بمثابة " ممارسة عقاب جماعي" يستهدف المدنيين بشكل مباشر. وهو أمر محظور بموجب اتفاقيات جنيف الأربع.

فمن الناحية القانونية، تُعد الممارسات الإسرائيلية في القطاع جريمة ضد الانسانية وفقًا للمادة (٧) من نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية حيث تم تحديد هذه الجرائم لتشمل الأفعال التي تُرتكب في إطار هجوم واسع النطاق أو منهجي وموجهة ضد مجموعة من السكان المدنيين كالقتل، التعذيب، الاغتصاب، وممارسة الاضطهاد عن طريق حرمان السكان من الحقوق الأساسية بما في ذلك استخدام سياسة التجويع. كما أنها تُشكل أيضًا جريمة حرب استنادًا إلى النظام المذكور وتحديدًا المادة (٨) والتي تنص على أن جرائم الحرب تشمل الانتهاكات الجسيمة للقوانين والأعراف السارية على المنازعات المسلحة والتي تشمل شن هجمات على المدنيين واستخدام أسلوب أو وسيلة حرب ممنوعة بما في ذلك سياسة التجويع. بالإضافة إلى ذلك فإن تحكم إسرائيل الكامل في دخول المساعدات الإنسانية وتوزيعها مما يحوّل الإغاثة من حق إنساني إلى أداة للإبتزاز السياسي حيث تقوم قوات الاحتلال بتأخير دخول المساعدات أو تقنينها وفق اعتبارات أمنية مزعومة، بل وقد يتم منع إدخال مواد أساسية مثل الوقود أو أدوات طبية بسيطة بحجج واهية وذلك يتعارض مع مبدأ الحياد الذي يُفترض أن تحترمه أطراف النزاع تجاه المساعدات الإنسانية كما يشكل خرقًا واضحًا للمادة (٢٣) من اتفاقية جنيف الرابعة التي تنص على " ضرورة السماح بمرور الإغاثة الإنسانية للمدنيين دون عوائق ". وتُحذر منظمات الإغاثة الدولية من أن هذا الاستخدام السياسي للمساعدات يؤدي إلى تفاقم الكارثة ويمنح أداة الاحتلال أداة إضافية للضغط على المدنيين من خلال التحكم في لقمة عيشهم ودوائهم.

 تتجاوز حدود العقل البشري 

ومن الناحية الإنسانية، فالأضرار التي نتجت عن مثل هذه الممارسات تتجاوز حدود العقل البشري حيث يُعاني الشعب الفلسطيني من فقدان أساسيات الحياة بل أنهم فقدوا الحياة ذاتها. وظهر في تقارير دولية كتقارير منظمة اليونيسيف أن الأطفال تعاني من سوء التغذية حيث توجد أزمة غذاء خطيرة مما يؤدي بطبيعة الحال إلى تدهور صحة الأطفال وضعف نموهم العقلي والجسدي أما من ناحية التأثير النفسي للحصار، جعلت هذه السياسة غزة أرضًا خصبة للأزمات النفسية مما أدى إلى زيادة معدلات القلق والاكتئاب بين الفلسطينيين وخاصة فئة الشباب وهذا التأثير لا يزول أثره بسهوله لأن الأضرار النفسية الناتجة عن الحصار لا تقل أهمية عن الأضرار الجسدية الناتجة عن اتباع سياسة التجويع.

ويبقي السؤال عن ما دور المجتمع الدولي في وقف مثل هذه الانتهاكات؟. في حقيقة الأمر نجد أن ردود أفعال وتفاعل المنظمات الدولية ،التي شعارها الأساسي هو الدفاع عن حقوق الإنسان، مع مثل هذه الانتهاكات جاءت أقل مما يجب أن تكون عليه، ففي حين أن منظمات دولية حقوقية مثل "هيومن رايتس" و"منظمة العفو الدولية" رصدت الممارسات الإسرائيلية في غزة بشكل مفصل في تقاريرها لكن لم تتخذ أي إجراءات رسمية لمعاقبة إسرائيل على ارتكابها هذه الانتهاكات من جانب المحكمة الجنائية الدولية على الرغم من أن التحقيقات الأولية أظهرت تورط إسرائيل. مما يشير إلى ضرورة تطوير آليات المساءلة القانونية في مثل هذه الحالات بالإضافة إلى إيجاد آليات ضغط دولية تفرض على جميع الدول احترام حقوق الإنسان في إطار النزاعات المسلحة. كما يجب تكثيف الجهود لحماية المدنيين في نزاعات لم تعُد تقتصر على استخدام الأسلحة التقليدية بل تعتمد بصورة كبيرة على شن هجمات اقتصادية وإنسانية من أجل السيطرة على المدنيين واخضاعهم.

تم نسخ الرابط