قصتها مع عبدالوهاب وعمر الشريف
رحلة فاتن حمامة .. الفنانة التى غيرت قوانين بالمجتمع بفيلم "أريد حلاً"

في عالم السينما العربية، حيث تتداخل الأضواء مع الظلال، كانت فاتن حمامة "آمنة"-الاسم الفني لها في فيلم دعاء الكروان - ليست مجرد ممثلة استثنائية، بل رمزًا للمرأة التي عاشت بقلب نابض بالعاطفة والوعي. حياة فاتن حمامة العاطفية، التي تشابكت مع اختياراتها الفنية وقراراتها الشخصية، تروي قصة امرأة تمكنت من التوفيق بين العاطفة العميقة والموقف المبدئي، لتصبح صوتًا للمرأة الشرقية في مواجهة التحديات الاجتماعية والسياسية،
في ذكرى ميلادها، لا نحتفي فقط بالفنانة، بل بالإنسانة التي علّمتنا أن المرأة قد تعشق من قلبها، لكنها لا تُكمل إلا مع من يمنحها السلام.
ولدت فاتن حمامة في 27 مايو 1931، وسرعان ما أضحت "آمنة" رمزًا للفتاة المصرية التي تجمع بين الرقة والقوة. في بداياتها الفنية، لم تكن حياتها العاطفية بعيدة عن أعين الجمهور، حيث ارتبط اسمها بعلاقات عكست صراعاتها بين الذات الشخصية وطموحاتها الفنية. زواجها الأول من المخرج عز الدين ذو الفقار في عام 1947، عندما كانت في السادسة عشرة من عمرها، كان بمثابة بوابة دخولها إلى عالم السينما الجادة. هذا الزواج، الذي أنتج أفلامًا مميزة مثل "الخطايا"، كان شراكة فنية وعاطفية، لكنه لم يدم طويلاً، إذ انتهى بالانفصال في 1954، ليترك في نفس فاتن تجربة مبكرة علمّتها أهمية التوازن بين الحياة الشخصية والمهنية.
عمر الشريف
كانت قصة حب فاتن حمامة وعمر الشريف، التي بدأت فى فيلم "صراع في الوادي" عام 1954، والذي اعتنق الاسلام من أجل الزواج منها، واحدة من أكثر القصص العاطفية تأثيرًا في تاريخ السينما العربية. لم تكن "آمنة"، كما عُرفت في بعض أدوارها، مجرد عاشقة في هذه القصة، بل كانت امرأة اختارت الحب في سياق اجتماعي وسياسي معقد. تحوّل إسلام عمر الشريف (الذي كان يُعرف بميشيل شلهوب) للزواج منها إلى رمز للتضحية من أجل الحب، لكن هذا الزواج، الذي استمر حتى 1974، حمل في طياته تحديات جمّة. طموحات عمر الشريف العالمية، التي قادته إلى هوليوود، وضعت فاتن أمام خيار صعب: البقاء في ظل نجاح زوجها الدولي أو الحفاظ على هويتها الفنية المرتبطة بالسينما المصرية. اختارت الأخيرة، فعادت إلى القاهرة، مؤكدة أن قلبها، مثل أدوارها، ينبض بالانتماء إلى جذورها الشرقية،في تصريح نادر لعمر الشريف بعد انفصالهما، قال: "فاتن كانت وستظل الحب الحقيقي في حياتي" هذه الكلمات تعكس عمق التأثير العاطفي الذي تركته فاتن، ليس فقط على شريك حياتها، بل على جمهورها الذي رأى فيها نموذجًا للمرأة القوية التي تحب بعمق دون أن تفقد كرامتها.
حكايتها مع الدكتور محمد عبد الوهاب.
بعد سنوات من الانفصال، جاءها الحب من جديد. هذه المرة لم يكن نجمًا لامعًا، بل طبيبًا محترمًا يُدعى د. محمد عبد الوهاب. التقت به في بيروت، وكان مختلفًا، لا ضوء ساطع، لا جماهير، لا صخب فقط رجل يمنحها ما لم تعرفه سابقًا: الطمأنينة، تزوجته في هدوء عام 1975، ودامت الحياة بينهما حتى وفاتها في 2015. أربعون عامًا من السكينة والدعم والمشاركة بعيدًا عن الأضواء. قالت عنه في أكثر من حوار:“أشعر معه أنني إنسانة، لست ممثلة ولا نجمة فقط امرأة مطمئنة في بيتها”
بين حب أشعل النار في قلبها، وحب أضاء لها الطريق، عاشت فاتن حمامة تجربة كاملة. وبين عمر الشريف ومحمد عبد الوهاب، اكتشفت أن الحب وحده لا يكفي... وأن الأمان ليس رفاهية، بل شرط الحياة.
من القلب إلى السينما
لم تكن حياة فاتن حمامة العاطفية مجرد قصص شخصية، بل كانت مرآة لأدوارها السينمائية التي حملت قضايا المرأة الشرقية. في أفلام مثل "دعاء الكروان" (1959)، حيث جسّدت دور آمنة - الفتاة التي تقاوم الظلم الاجتماعي - أو "الباب المفتوح" (1963)، الذي قدمها كثائرة ضد الاستعمار، استطاعت فاتن أن تحول تجاربها العاطفية إلى طاقة إبداعية. حياتها العاطفية، التي شهدت لحظات من الفرح والألم، أضافت عمقًا لأدوارها، جعلتها قادرة على تجسيد شخصيات نسائية قوية، تمردت على القيود الاجتماعية دون أن تتخلى عن أصالتها الشرقية.
فيلم "أريد حلاً" الذي غيّر القوانين في مصر، بعد عرضه عام 1975، حيث أثار جدلاً واسعاً حول قضايا المرأة والطلاق، مما دفع الجهات المعنية إلى تعديل قانون الأحوال الشخصية عام 1978، ليمنح المرأة حقوق وينصفها في قضايا الاحوال الشخصية ، وذلك بفضل الدور المؤثر الذي جسدته فاتن حمامة في شخصية "درية".
لم تقتصر عاطفة فاتن حمامة على حياتها الزوجية، بل امتدت إلى إنسانيتها العميقة. دعمها لأبناء شقيقتها بعد وفاة والدتهم، وتفانيها في تربية ابنتها نادية من زوجها الأول، عكسا جانبًا آخر من قلبها الكبير، هذه الإنسانية، التي تجلت في اختيارها لأدوار تحمل قضايا اجتماعية مثل حقوق المرأة في "أريد حلاً" (1975)، جعلت من هنادي رمزًا للمرأة التي تجمع بين العاطفة والوعي الاجتماعي.
صوت المرأة الشرقية
لم تكن فاتن حمامة، التي اشتهرت بلقب "هنادي" في بداياتها الفنية، مجرد ممثلة تؤدي أدوارًا، بل كانت صوتًا للمرأة العربية التي تجمع بين الرقة والقوة، والتي تحدت القيود الاجتماعية والسياسية من خلال اختياراتها الفنية. أدوارها، التي تميزت بالعمق والإنسانية، كانت مرآة لتجاربها العاطفية ووعيها الاجتماعي، حيث استطاعت أن تجسد شخصيات نسائية تحمل قضايا كبرى بأسلوب يتسم بالأصالة والكرامة.