الأولى و الأخيرة

شيده الفاطميون وكرمه المماليك وأهمله العثمانيون

الجامع الأزهر.. منارة الإسلام لأكثر من ألف عام وأخرج ثلث العلماء

الجامع الأهر
الجامع الأهر

أطلق عليه جامع المنصورية ثم جامع القاهرة، وأخيرا استقر مقام الاسم على الجامع الأزهر، قيل نسبة للسيدة فاطمة الزهراء ابنة الرسول عليه الصلاة والسلام وزوجة الإمام علي بن أبي طالب والتي ادعى قادة وأئمة الفاطميين أنهم من سلفهم، والأزهر تعني المشرق وهو صيغة المذكر لكلمة الزهراء، وإن كانت بعض الروايات تقول إن الاسم مشتق من أسماء قصور الخلفاء والأمراء الفاطميين الذين أطلقوا على قصورهم اسم "القصور الزاهرة".

وفي اليوم التاسع من رمضان يبلغ جامع الأزهر عمره الـ 1084 بالتقويم الهجري و1052 بالتوقيت الميلادي.

 

أصل حكاية الجامع الأزهر

بعد أن من الله على الفاطميين بفتح مصر، عقب انتزاعها من الإخشيديين، كلف الخليفة الفاطمي المعز لدين الله القائد المنتصر جوهر الصقلي والذي تعود أصوله لجزيرة صقلية اليونانية، ببناء مدينة جديدة لتكون مقراً للخلافة الفاطمية بدلا من تونس.

واختار الصقلي موقع قريب من العاصمتين القديمتين وهما الفسطاط التي شيدها عمر بن العاص والقطائع التي بناها أحمد بن طولون، ووضع في المخطط العمراني للعاصمة تشييد جامع يحمل أسم العاصمة.

وفي جمادى الأولى سنة 359 هجرية الموافق إبريل عام 970 ميلادية بدأ البناء في جامع المنصورية نسبة إلى اسم عاصمة الخلافة الجديدة، ومع دخول الخليفة المعز لدين الله مصر أطلق على المدينة القاهرة ليتحول معها اسم الجامع وذلك وفقا لما هو شائع في ذلك الزمان بتسمية المساجد باسم المدينة المتواجد بها..

وفي التاسع من رمضان سنة 361 هجرية الموافق 24 يونيو 972 ميلادية أقيمت به أول صلاة جمعة إيذانا بافتتاحه، وفي عهد الخليفة الفاطمي الثاني العزيز بالله تغير اسمه إلى الأزهر.  

 

جامع لدراسة علوم الإسلام وقوانينه  

اهتم الفاطميون بالجامع الأزهر، ورسم عام 973 ميلادية الموافق 362 هجرية مسجدا رسميا لصلاة الجماعة بالقاهرة، وجعلوا خطبة الجمعة خلال شهر رمضان في الأزهر.. كما بدأ تدريس التعاليم الباطنية الخاصة بالمذهب الإسماعيلي والتي كانت سرية بالأزهر وتم تعيين القاضي في فقه الشيعة "النعمان القاضي" مسؤولا عن تدريس المذهب.

ويحسب للخليفة العزيز بالله تحويل الجامع الأزهر إلى جامعة، وجعل وزيره الأول يعقوب بن كلس مشرفا عليها وهو الذي جعل منه مركزا لتعليم القانون الإسلامي وجامعة رائدة في العالم الإسلامي وقام بتوظيف 45 عالما لإعطاء الدروس وإقامة بيوتا للفقهاء وداراً للطلاب بجوار جامع الأزهر.

100 عام من الإغلاق والإهمال

ظل الجامع الأزهر منارة للمسلمين حتى سقوط الدولة الفاطمية على يد صلاح الدين الأيوبي الذي كان يحارب المذهب الشيعي ويؤازر المذهب السني فأغلق الأزهر وأبطل الخطبة به لمدة مئة عام وأنشأ مدارس دينية مندمجة في النظام التعليمي للدولة.. حتى جاء العصر المملوكي وقام السلطان الظاهر بيبرس البندقداري وأعاد له مكانته وقام بتعيين فقهاء لتدريس المذهب السني والأحاديث النبوية واعتنى بتجديده وتوسعته وأعاد صرف الرواتب للطلاب والشيوخ وشارك في ذلك الحكام المماليك المتعاقبين والأعيان وأوقفت عليه أوقافا كثيرة فكان العصر المملوكي عصرا ذهبيا للأزهر.. الذي أصبح مركزا لدراسة فروع الشريعة الإسلامية والفقه واللغة العربية وكانت مدة الدراسة ست سنوات.. وتذكر كتب السيرة والتاريخ أن الأزهر في القرن الرابع عشر بات قبلة للطلاب من جميع أنحاء العالم الإسلامي وأن ثلث علماء المسلمين درسوا بالأزهر.

وعاد الجامع الأزهر للمعاناة والإهمال نتيجة لتوقف المساعدات المالية في أول مئة عام من الحكم العثماني حتى كان القرن الثامن عشر، حيث تمكن بعض الأمراء المماليك من استعادة نفوذهم فقاموا بتجديده وإعادة بناء الأروقة حيث قام القازدوغلي بك بإضافة رواق للطلاب المكفوفين وإعادة بناء أروقة تركية وسورية كان قد شيدهما السلطان المملوكي قايتباي.. وقام كتخدا الإنكشارية عبد الرحمن كتخدا فور تعيينه ببناء ثلاث بوابات جديدة للأزهر هي: باب المزينين (الذي أصبح فيما بعد المدخل الرئيسي للجامع) وباب الصعايدة وباب الشربة (وهي شربة حساء الأرز وكانت تقدم للطلاب) وأضيفت قاعة للصلاة جنوب المصلى الأصلي مع مضاعفة المساحة المخصصة للصلاة. كما شهدت هذه الفترة منذ عام 1735 وحتى نهاية القرن الثامن إضافة علوم المنطق والفلسفة للمناهج الدراسية..

كما تعرض جامع الأزهر للإغلاق مرة أخرى لمدة عام بأمر نابليون بونابرت على إثر قيام الطالب الأزهري سليمان الحلبي باغتيال الجنرال الفرنسي كليبر في مارس عام 1800 وظل مغلقا حتى أغسطس 1801 وهي لحظة جلاء الفرنسيين من مصر.  

الأزهر والسياسة

أرتبط الأزهر بالسياسة منذ تعيين العلماء والشيوخ بالمجالس الاستشارية لحكام القاهرة والأقاليم، كما قاد طلابه وشيوخه الاحتجاجات ضد الآغاوات والولاة، وكان الحكام العثمانيون يتجنبون الصدام معهم ففي عام 1730 أمر الحاكم العثماني الآغاوات بعدم الذهاب قرب الأزهر خوفا من قيام انتفاضة بعد حدوث مواجهات بينهم وبين الطلاب والشيوخ لمضايقتهم أهالي المنطقة، وفي عام 1791 تم إقالة الوالي بسبب مضايقته لأهالي المنطقة واندلاع حركة احتجاجية ضده.

ولعب مشايخ الأزهر وعلماؤه وطلابه دورا في الثورة ضد الاحتلال الفرنسي والتي انطلقت في 21 أكتوبر 1798، وأمر نابليون بونابرت قواته بأطلاق المدافع صوب الأزهر، ووقعت مواجهات بين الثوار والقوات الفرنسية داخل الجامع، قتل على أثرها 300 جندي فرنسي وأصيب ثلاثة ألاف مصري وتم إعدام 6 من علماء الأزهر، وقامت القوات الفرنسية بتدنيس الأزهر فقد دخلوه بأحذيتهم وربط خيولهم في المحراب وإلقاء نسخ القرآن على الأرض.. ولعب الأزهر دورا في مواجهة الاحتلال الفرنسي حتى خروجه من مصر.. كما كان للأزهر دورا في مواجهة الاحتلال البريطاني  

محمد علي والانقلاب على الأزهر  

لعب مشايخ الأزهر وعلمائه دورا في تولية محمد علي باشا حكم مصر، والذي قام بإدخال التعليم غير الديني لمناهج الأزهر كالتاريخ والرياضيات والعلوم الحديثة تحت إشراف الإمام جمال الدين الأفغاني والذي أضاف الفلسفة الأوروبية لمناهج الدراسة. ولكنه في الوقت ذاته اتخذ عددا من الخطوات للحد، والقضاء على قدرة علماء الأزهر للتأثير على الحكومة. وصادر أراضي رزقة (وهي أراضٍ تابعة للجامع والمدارس الدينية) وضمها إلى أملاك الدولة، كما قام أيضا بأخذ جزء كبير من مداخيل الأزهر، مما أثار غضب العلماء، ونتيجة لذلك، قام عمر مكرم بثورة في يوليو 1809، وقد فشلت الثورة ونفي مكرم إلى دمياط.

تطوير الأزهر بعد ثورة 23 يوليو

ويحسب لثورة 23 يوليو 1952 تطوير الأزهر بإنشاء مدارس لمختلف المراحل التعليمية وجامعة تضم كليات غير دينية وبات الأزهر مدرسة وجامعة تدرس العلوم الدينية والمدنية، كما تم إنشاء مدينة البعوث الإسلامية لاستيعاب الطلاب من مختلف جنسيات العالم.  

ويبقى الأزهر لأكثر من ألف عام كعبة العلم والعلماء.. كعبة تتعلق بها قلوب الحكام والعوام. 

تم نسخ الرابط