الأولى و الأخيرة

أبهة وعظمة الخلفاء

مظاهر العيد في العواصم الإسلامية القديمة من بغداد لبيت المقدس إلى القاهرة

موقع الصفحة الأولى

تختلف مظاهر العيد والاحتفالات المصاحبة له من عصر إلى آخر، فى كل العواصم الإسلامية ،  لكن تظل الفرحة بقدوم العيد هى القاسم المشترك فى كل العصور.

تعود كلمة عيد إلي كثرة عوائد الله علي عباده من نعم وعطايا وغفران للذنوب، فعيد الفطر يأتي بعد صيام شهر رمضان المبارك امتثالا لأوامر الله عز وجل بالامتناع عن الشهوات، وفيه ليلة القدر التي هي خير من ألف شهر، وبالتالي يأتي العيد بعد العبادة والغفران.
وكذلك عيد الأضحى الذى يأتي بعد الانتهاء من مناسك الحج، تلك الفريضة التي تمحى الذنوب، فالعيد هو يوم الجائزة للعبد المؤمن الذي عبد الله حق عبادته فصام شهر رمضان إيمانا واحتسابا لوجه الله، أو امتثل لأمر الله بالسعى لحج بيته الحرام.
وقد اهتمت الدول والحكومات على مر العصور بمظاهر الاحتفالات بالأعياد، لأن الاحتفالات خصوصا الاحتفال بالأعياد والمناسبات الدينية التى ترعاها الدولة، تعبر عن مدى تمدن هذه الدولة أو تأخرها، كذلك يعبر الشكل الاحتفالى بالمناسبات المختلفة على مدى ترابط الشعوب وأصالتها.
واهتم المسلمون منذ عهد بعيد بالاحتفال بأعيادهم خاصة عيد الفطر وعيد الأضحى بشكل كرنفالى فيه أبهة وعظمة، وكانوا يحتفلون برمضان احتفالا خاصا، ويتخذون غرة رمضان من المواسم الدينية، كما كانوا يحتفلون بالعيدين احتفالا دينيا، فيؤم خلفاء المسلمين الناس فى الصلاة ويلقون عليهم خطبة فى فضائل العيد، وما يجب على المسلمين مراعاته للمحافظة على شعائر الإسلام، ولا عجب فقد كانت مظاهر الإسلام تتجلى فى الاحتفال بالعيدين فى البلاد الإسلامية، خاصة فى بغداد وبيت المقدس ودمشق والقاهرة.


بغداد في ليالى العيد


كانت مظاهر العيد فى المدن الإسلامية كبغداد فى عهد العباسيين والقاهرة فى عهد الفاطميين تسطع فى أرجائها الأنوار فى ليالى العيد، وتتجاوب أصوات المسلمين بالتكبير والتهليل، وتزدحم الأنهار بالزوارق المزينة بأبهى الزينات، وتسطع من جوانبها أنوار القناديل، وتتلألأ الأنوار الخاطفة للأبصار من قصور الخلافة، وقد لبست الجماهير فى بغداد وغيرها من المدن الإسلامية التابعة للدولة العباسية للطيالسة السود تشبها بالخلفاء العباسيين الذين اتخذوا السواد شعارا لهم، وكان بعضهم يتخذ بدل العمائم قلانس طويلة مصنوعة من القصب والورق مجللة بالسواد .
وكانت عظمة الخلفاء الأمويين والعباسيين وأبهتهم تتجلى فى الاحتفال بالعيد، واتجهت سياستهم إلى اجتذاب الشعب على اختلاف طبقاته بالعطايا والأرزاق والهبات والموائد التى كانوا يمدونها فى الأعياد والمواسم، خاصة فى أول العام الهجرى، وفى مولد النبى صلى الله عليه وسلم، ومولد الخليفة الجالس على العرش، وفى غرة رمضان، كما اعتنوا بالاحتفال بعيد الفطر والأضحى عناية خاصة لما لهما من شأن  عظيم في نفوس الناس من العامة والبسطاء كما عند الأعيان والأمراء والحكام.


باب العيد بالحسينية

كان الخلفاء عامة والفاطميون خاصة يحتفلون بعيد الفطر الذى كانوا يتبركون به وتعم خيراتهم على الناس فيه، فمن هذه الخيرات توزيع الفطرة، والكسوة وعمل الموائد وركوب الخليفة لصلاة العيد، وكان هؤلاء الخلفاء يهتمون بالاحتفال بعيد الفطر فى العشر الأخير من شهر رمضان، واتخذ الفاطميون فى القصر بابا أطلقوا عليه " باب العيد "، لأن الخليفة كان يخرج منه فى يومى العيد إلى المصلى، شرقى القصر الكبير فى الفضاء الذى تشغله الآن قرافة باب النصر خلف حى الحسينية.
وعن مظاهر العيد يقول المقريزى فى الجزء الأول من خططه عن احتفالات المصريين بالعيد في هذه الفترة التاريخية.. زاد اللعب بالماء ووقود النيران، وطاف أهل الأسواق، وعملوا فيلة، وخرجوا إلى القاهرة بلعبهم، ولعبوا ثلاثة أيام، وأظهروا السماجات والحلى فى الأسواق، ثم أمر المعز بالنداء وبالكف، وألا توقد نار ولا يصب ماء، وأخذ قوم فحبسوا، وأخذ قوم فطيف بهم على الجمال.
وفى عهد الفاطميين أيضا كانت هناك عدا مواكب الخلفاء أيام السبت والثلاثاء، وأيام الجمع ويومى العيدين، أيام دينية أخرى، فكانوا يحتفلون برأس السنة الهجرية ويوم عاشوراء والمولد النبوى ومولد على بن أبى طالب رضى الله عنه ومولد الحسين ومولد فاطمة ومولد الخليفة القائم على الأمر وليلة أول رجب وليلة نصف شعبان وغرة رمضان وجبر الخليج ويوم النوروز ويوم الغطاس ويوم ميلاد المسيح وعيد النصر وخميس العهد. 
وكانت مظاهر العيد تبدأ  فجر يوم العيد، حيث يصعد كبار رجال الدولة إلى القلعة ويمشون فى موكب أمام الباشا من باب القصر إلى جامع الناصر محمد بن قلاوون فيصلون صلاة العيد ويرجعون ثم يهنئون الباشا بالعيد وينزلون إلى بيوتهم فيهنئ بعضهم بعضا.
ومظاهر الاحتفال بعيد الفطر كانت تبدأ بدخول الأمراء جميعًا على السلطان لتهنئته وفى صباح يوم العيد ينزل السلطان إلى الحوش السلطانى لتأدية صلاة العيد ويسمع الخطبة بجامع الناصر محمد بن قلاوون بالقلعة ويعود إلى الإيوان الكبير المشيد عليه حاليًا جامع محمد على حيث يمد سماط حافل للطعام بلغت تكاليفه فى بعض السنوات خمسين ألف درهم وأخيرًا يخلع السلطان على الأمراء وأرباب الوظائف كما يفرج عن بعض المساجين
وتنتشر الألعاب فى الشوارع ويخرج الناس للتنزه فى النيل والحدائق بعدما يقومون بصلاة العيد وتوجيه التحية لبعضهم البعض حيث تمتلئ الطرقات والمتنزهات فى هذا اليوم للاحتفال.
يخرج الناس فى أول أيام العيد فى القاهرة والمدن الأخرى للنزهة فى النيل وركوب المراكب ويذهب البعض الآخر لزيارة أقاربهم وأهلهم لتقديم التهنئة والبعض يذهب إلى القرافات لتوزيع الصدقات رحمة على موتاهم، ويتناولون  السمك المجفف البكلاه وهى العادة التي بدأت منذ الاحتفالات بالأعياد الفرعونية.

تم نسخ الرابط