الأولى و الأخيرة

كيف قضت حرب أكتوبر على أحلام السفاح

حرب رمضان تحبط خطة الحزام الأسود وتدفع موشيه ديان لمحاولة الانتحار

موقع الصفحة الأولى

‏كانت ولا تزال حرب السادس من اكتوبر، العاشر من رمضان، موضوعا للدراسة لدى الأكاديميات العسكرية حول العالم، لما لها من حضور لافت فى قائمة الحروب التى دارت رحاها حول العالم خلال القرن العشرين.
كما أن حرب العاشر من رمضان، من الحروب التي سيظل يتحدث عنها التاريخ لفترة طويلة كونها كانت ملحمة عسكرية مصرية متكاملة الأركان، وفرضت المعجزة المصرية نفسها حينذاك على كل وسائل الإعلام الدولية، بعد أن غيرت القوات المسلحة المصرية موازين القوى فى المنطقة والعالم بأكمله، وقضت على غرور الجيش الإسرائيلى وأنهت على مستقبل قادته بالكامل.

فبحسب مذكرات ديفيد إليعازر رئيس أركان الجيش الإسرائيلي وقت الحرب، ففي الوقت الذي كانت تستعد فيه القوات المصرية و السورية على جبهتهما للهجوم الوشيك يوم 6 أكتوبر، كانت القوات الإسرائيلية بقيادة موشيه ديان وزير الدفاع تقوم بإعداد خطة مطلع أكتوبر 1973 تهدف إلى إستقطاع أراض عربية جديدة وكانت الخطوط العريضة للخطة تتلخص فى ضم جنوب لبنان بالكامل لإسرائيل، وإستقطاع أراض سورية جديدة، وإنشاء خط يشبه خط بارليف بغور الأردن لحماية المستعمرات الإسرائيلية، إلى جانب تحويل شبه جزيرة سيناء إلى مركز تجارب للمفعلات النووية، فضلا عن القيام بضربات جوية لتدمير الدفاعات الجوية والمطارات المصرية التى تم انشائها وتطويرها بعد نكسة يونيو.

خطة الحزام الأسود


‏وقد عرض ديان تلك الخطة على الجنرال إليعازر رئيس الأركان، وكانت في المقام الأول تهدف لتوسيع رقعة سيطرة إسرائيل من الأراضي العربية، وتطويق حدود إسرائيل من كافة الإتجاهات لذا سُميت بخطة " الحزام الأسود ".
‏ويشرح الجنرال اليعازر تلك الخطة في مذكراته قائلا: لقد كان موشيه ديان يحلم بعمل يخلد إسمه إلى الأبد، تماماً مثلما فعل حاييم بارليف بخطه الدفاعي الذي يحمل إسمه على الضفة الشرقية من قناة السويس، فقد كان ديان يحلم أن يتم تغيير إسم "الحزام الأسود" إلى "حزام ديان" بعد تنفيذ الخطة ونجاحها المضمون.
‏ويضيف إليعازر، أنه في الخامس من أكتوبر عام 1973 وفي إجتماع طاريء لمجلس رئاسة الأركان الإسرائيلي، تم مناقشة الخطة، حيث رحب الاجتماع بتوجيه ضربة ضد صواريخ الدفاع الجوي المصري والمطارات المصرية قبل أنا تحاول مصر التدخل بعمل عسكرى فى سيناء.
‏و كان في تقدير ديان أن تتم الخطة بين يومى 22 إلى 25 أكتوبر 1973 بعد الإنتهاء من فترة الأعياد في إسرائيل، ولكن في ضوء الموقف والمعلومات والتقديرات المتوفرة على مائدة الإجتماع قرر أن يجعلها صباح يوم الثامن من أكتوبر.
خداع استراتيجي لمصر
‏ويستكمل إليعازر فى مذكراته، أنه في مساء يوم 5 أكتوبر لاحظت إسرائيل وجود حركة غير إعتيادية على الجبهتين المصرية والسورية، فظنت القيادة الإسرائيلية أن تكون خطة الحزام الأسود قد تم تسريبها إلى القيادة المصرية والسورية، لذا أرسلت إسرائيل طلب إلى أمريكا ومنها إلى الإتحاد السوفيتي بتحذير مصر وسوريا من الإقدام على أى عمل هجومى.
كما ضمت رسالة تطمين للقاهرة ودمشق، مفادها إذا كانت حشودهم تخوفاً من أي هجمات إسرائيلية فلا داع لها، فإسرائيل لن تقدم على أي هجوم، وكان هذا مجرد خداع استيراتيجى واستنفاذ للوقت لتمكينهم من الهجوم وتنفيذ خطة موشيه ديان أو خطة الحزام الأسود يوم 8 أكتوبر
‏ولكن تلك الخطة أصبحت حبراً على ورق، وصارت موضع نقاش للمؤرخين ليس إلا، بعد تنفيذ الخطة المصرية السورية بشن الحرب يوم السادس من اكتوبر العاشر من رمضان.
فقد قامت القوات المسلحة المصرية والقوات المسلحة السورية ببدء خطة تحرير الأرض المحتلة يوم 6 أكتوبر، قبل بدء تنفيذ خطة الحزام الأسود بأقل من يومين، وربما لو كانت تمت لحدثت فاجعة أخرى مثل نكسة 1967 وضاعت القضية والأراضى المصرية إلى الأبد.

محاولة انتحار ديان

قبل حرب أكتوبر بأسابيع سُئل موشيه ديان عن عملية السلام في الشرق الأوسط، ومن سيبدأ بالتشاور، وكان رده بأنه "يجب عليهم مصر وسوريا أن يتصلوا بنا هم فنحن في موضع المنتصر"، وبعد بدأت عمليات حرب السادس من أكتوبر العاشر من رمضان، وتكبيد جيش الاحتلال الإسرائيلى خسائر فادحة، خرج ديان منكسراً قائلاً: أن الحرب كانت صعبة وفاجعة كبرى لإسرائيل.
‏وعن أيام الحرب الصعبة، تقول "يال" ابنة موشيه ديان، أنه بينما كانت المدفعية المصرية تدك خط بارليف وتقتل الجنود وتدمر الآليات الإسرائيلية، كان ديان يجلس بجانب جولدا مائير وعلى وجهه الذهول لدرجة تمنعه من التفكير وربما من النطق من هول المفاجئة، بينما كانت جولدا مائير تحوم في غرفتها وهي تبكي وتصرخ قائلة: هذا مستحيل، يجب أن نفعل شيئاً، أليس هنا حل ؟، حتى ان موشيه ديان صرخ في وجهها هو الآخر.
وعندما طلب منها ديان أن يقوم الجيش الإسرائيلى بالتراجع إلى خط الدفاع الثاني نظرت إليه بإحتقار وارتمت على كتف سكرتيرتها وهي تبكي وأمرته أن يخرج من الغرفة بينما كان هو يمسك بإستقالته متمتماً "أريد أن أنتحر".
وتؤكد "يال" أنه بالفعل تم التنبيه على أفراد حراسته وعلى أسرته بمتابعته بدقه خشية الإقدام على محاولة الانتحار، خصوصا وأنه أصيب بالاكتئاب.
‏وبعد فشله الذريع في حرب أكتوبر، لم يتسمر السفاح موشيه ديان في منصبه في حكومة اسحاق رابين التي تشكلت عام 1974، وظل يعانى من الاكتئاب حتى توفي في تل أبيب في 16 أكتوبر 1981.

تم نسخ الرابط