الأولى و الأخيرة

خلافات مع السادات وصراعات مع المسكين

12 عاما من الغياب ولازالت معارك البابا شنودة مستمرة

موقع الصفحة الأولى

الإسم: نظير جيد روفائيل، البابا شنودة الثالث.
تاريخ الميلاد: 3 أغسطس 1923
المؤهل: ليسانس الأداب قسم التاريخ جامعة القاهرة
المهنة: بطريرك الكرازة المرقسية رقم 117

لم يعرف مسيحيو مصر معارك صاخبة داخل الكنيسة القبطية الأرئوذكسية مثل تلك التى خاضها البابا شنودة الثالث بطريرك بابا الأسكندرية السابق.
فقد بدأ البابا شنودة معاركه الفكرية والسياسية مبكرا، مع الرئيس أنور السادات عقب حادثة الخانكة عام 1972، حينما تم حرق جمعية الكتاب المقدس فى منطقة الخانكة، على خلفية قيام بعض المسيحيين بأداء الشعائر الدينية بها تمهيداً لتحويلها إلى كنيسة، رغم عدم حصولها على ترخيص لذلك الغرض، فقامت وزارة الداخلية بإزالة بعض المبانى التابعة للجمعية، التى تدخل ضمن الهيكل العام للكنيسة المزمع إنشاؤها، ومنعت استعمالها فى الصلاة، ليصدر البابا أوامره بتنظيم مسيرة من القساوسة ضمت قرابة ألف كاهن حتى مقر الجمعية وأقاموا بها الصلاة وسط حراسة أمنية، ما أثار النعرات الطائفية فى المجتمع، حيث خرجت مسيرة مضادة من المسلمين فى اليوم التالى من مسجد السلطان الأشرف الذين أطلق عليهم أحد الأقباط النار ليحرق المسلمون منزله وأماكن أخرى للأقباط، ومنذ هذه اللحظة بدأ الرئيس السادات يشعر أن البابا زعيم سياسى للأقباط وليس رجل دين واعتبر هذه المسيرة تمرداً علنياً على حكمه.

البابا زعيم سياسى


 فى العام التالى 1973، زار السادات المقر البابوى فى الكاتدرائية المرقسية بالعباسية والتقى بالبابا شنودة وأعضاء المجمع المقدس للكنيسة وأدى صلاة الظهر داخل الكنيسة بحسب تصريحات للبابا شنودة نُشرت فى مجلة الكرازة الناطقة بلسان الكنيسة.
وعقب حرب 1973 تزايدت أحداث العنف الطائفى فى مصر التى تلقفها أقباط المهجر، خاصة فى الولايات المتحدة الأمريكية، لينظموا مظاهرات ضد السادات خلال زيارته إلى واشنطن عام 1975 رغم طلبه من الكنيسة إيقافها ليعتبره تحدياً جديدا من الكنيسة له.
وفى 1976 التقى الرئيس مع البابا شنودة فى القناطر الخيرية ليشكو له مما يكتبه الأقباط فى المجلات الأجنبية، وظلت المناوشات بين الكنيسة والرئيس خاصة عقب إعلان السادات أن تعداد المسيحيين فى مصر مليونان و330 ألف مسيحى، فيما ردت عليه الكنيسة بأن تعدادهم 7 ملايين، وذلك قبيل انتخابات مجلس النواب عام 1976 التى لم يعين فيها الرئيس سوى قبطى واحد بعد أن رشحت له الكنيسة 10 أشخاص، ليأتى الإعلان عن قانون الردة الذى كانت الدولة تعتزم إقراره عام 1977 ليقطع الشعرة التى كانت لا تزال تربط بين الرئيس السادات والبابا، وتعقد الكنيسة مؤتمراً تحت قيادة البابا شنودة وتصدر بياناً تطالب فيه بإلغاء المشروع واستبعاد التفكير فى تطبيق الشريعة الإسلامية على غير المسلمين، ودعت الأقباط للصوم الانقطاعى لثلاثة أيام، ليعقبه تسجيل البابا لرفضه اتفاقية السلام مع إسرائيل ورفض الذهاب مع الوفد المرافق للرئيس السادات إلى الكنيست الإسرائيلى، ليطالب الرئيس بمنع البابا من إلقاء درسه الأسبوعى، ليصدر البابا قراراً بعدم الاحتفال بالعيد فى الكنيسة وعدم استقبال المسئولين الرسميين، احتجاجاً على اضطهاد الأقباط فى مصر، ورفض إذاعة الاحتفال بالأعياد فى أجهزة الإعلام كما جرت العادة وقتها، وكانت هذه المرة الوحيدة التى يقر فيه البابا علانية بوجود اضطهاد للأقباط فى مصر ولم يفعلها بعد ذلك مطلقاً.
وفى يونيو 1981 حدثت أحداث الفتنة الطائفية بالزاوية الحمراء، ليأتى ذروة الصدام مع قرار الرئيس السادات بتحدبد إقامة البابا فى دير الأنبا بيشوى بوادى النطرون عقب اعتقالات سبتمبر الشهيرة، وتشكيل لجنة بابوية لإدارة شئون الكنيسة.
فيما تميزت العلاقة بين الرئيس حسنى مبارك والبابا شنودة بالهدوء، ولم يكن بها التصعيد الذى تم فى حقبة السبعينات، حيث أفرج عن البابا فى 1985 والتقاه، وعاد البابا لممارسة مهام البابوية، وسارت الأمور فى هدوء، بل وتطورت لصداقة، حيث رفض الخروج عليه فى مظاهرات ثورة الخامس والعشرين من يناير 2011 رغم تفجير كنيسة القديسين.
رغم أن عهد مبارك شهد العديد من الحوادث الطائفية، قام على أثرها البابا بالاعتكاف فى دير وادى النطرون اعتراضاً على ما يحدث، إلا أنه كان أقل صداماً وحدة فى عهد مبارك، ولم يلغ الاحتفالات بعيد الميلاد إلا عقب حادث كنيسة القديسين واعتكف فى الدير حتى ثورة 25 يناير

معارك البابا الفكرية

بدات معارك البابا شنودة الفكرية مع الأنبا متى المسكين منذ أوائل الستينيات وحتى عام ٢٠٠٩ كان يدور بشأن أمور مهمة فى الديانة المسيحية، خصوصا قضايا مثل تأليه الإنسان والنقد الكتابى والتشكيك فى صحة أجزاء من إنجيل مرقص، ودور الأعمال الصالحة فى نوال الخلاص وحقيقة بعض العبارات الواردة فى إنجيل متى، وأخيرا مفهوم الوحدة مع الطوائف الأخرى..
الأنبا متى المسكين تأثر بشدة بأقوال الآباء القدامى خصوصا أولئك الذين قرأ فكرهم مترجما من الإنجليزية، وتأثرت حياته تماما بقصص وسير قديسى الكنيسة القدامى، ولم يلتزم بالنصوص الحرفية وكان يعتقد أن الوحدة بين الكنائس يمكن تحقيقها ليس عن طريق الحوار ولكن عن طريق قديسى كل كنيسة وإلهامهم لبقية قادة الكنائس.
الأنبا شنودة ومن معه، رفضوا هذا الاتجاه تماما، وكانوا مؤمنين بالطريقة التقليدية، ويرون فى أفكار متى المسكين خروجا عن الأفكار التقليدية للكنيسة، ولذلك حينما تولى البابا شنودة كرسى البابوية حرم تماما تدريس آراء وأفكار وكتابات متى المسكين، حتى وفاة الأخير عام ٢٠٠٦، بل وقام بنشر عشرات الكتب للرد على آراء وأفكار متى المسكين.
فى عام ١٩٩١ وبحسب مجلة الكرازة قال شنودة عن سر خلافه مع متى المسكين وأنصاره: رهبان دير الأنبا مقار يتمسكون بأب من الآباء أكثر من الكنيسة كلها، ويطيعون هذا الأب أكثر مما يطيعون البابا والمجمع المقدس والأساقفة، فاحنا سايبينهم على راحتهم.. هنعمل إيه؟.
لكن يظل الخلاف الأكبر، حينما وافق متى المسكين على تولى ادارة الكنيسة بعد قرار السادات عزل تلميذه شنودة ووضعه تحت الإقامة الجبرية.
الأمر سبب قطيعة شاملة، لم تنتهِ إلا بوفاة متى المسكين عام ٢٠٠٦، وكان رأى شنودة المعلن فى متى المسكين هو: أنه راهب أمين، لكن لا يدرك خطورة التعبير اللاهوتى الخاطئ.

دير الأنبا مقار


حينما عاد شنودة لممارسة مهامه عام ١٩٨٥ بعد انتهاء إقامته الجبرية، عاد متى المسكين واعتكف بدير الأنبا مقار، وصار الدير مستقلا فكريا وإداريا عن الكنيسة، وصار الخلاف بين الاثنين معلنا وواضحا للجميع. للدرجة التى دفعت البابا شنودة للقول إنه لا يوجد حب من طرف واحد!. ثم دخل الاثنان فى حرب مفتوحة ميدانها الكتب واتهامات متبادلة بإفساد العقيدة.
توفى الأنبا متى المسكين عام ٢٠٠٦، وزار الأنبا شنودة دير الأنبا مقار بعد ذلك بثلاث سنوات عام ٢٠٠٩، وأنهى إلى حد ما تمرد هذا الدير ورهبانه من تلاميذ متى المسكين، وتم تخييرهم إما الطاعة للبابا شنودة، أو الاعتزال، وعادت صورة الأنبا شنودة فى كناس الدير، بعد أن منع متى المسكين رفعها، واضعا بدلا منها صورة المسيح باعتباره الأسقف الكبير ورأس الكنيسة.
مات شنودة عام ٢٠١٢، وجلس البابا تواضروس مع رهبان الدير أكثر من مرة، وكانت الانقسامات بين مدرستى متى وشنودة، قد وصلت إلى مرحلة صعبة.
وترشح لرئاسة الدير ثلاثة أسماء فاز من بينهم الانبا ابيفانيوس، وطبقا للكتابات القبطية فإن معظم المنتمين لمدرسة متى المسكين هم من صوتوا لصالحه، ويقال أيضا إن البابا تواضروس طلب من الأنبا الجديد «لم شمل الدير»، بعد هذه الصراعات العنيفة.. لكن النتيجة أن الأنبا قتل داخل الدير، بدلا من أن ينجح فى لم شمله، وتبين لنا ان الصراعات كانت عميقة ودموية ولا تتعلق بالتبرعات أو الانشغال بالامور الدنيوية بل بقضايا فى صلب العقيدة، تعود للصراع التاريخى بين البابا شنودة والانبا متى المسكين.

تم نسخ الرابط