الأولى و الأخيرة

رقصة أصحاب الارض
رقصة أصحاب الارض

يرقص برشاقة وسط النار، ويقفز بين حطام الآلات العسكرية الصهيونية المحترقة، مرتديا علم فلسطين حول خصره، والشال الشهير يخبئ به وجه، هكذا انتشر فيديو الشاب الفلسطيني المجهول وهو يرقص فرحا أثناء اشتباكات المقاومة مع الاحتلال، مقلدا رقصة الهنود الحمر الشهيرة، والمعروفة باسم رقصة الحرية، والتي زادت شهرتها بسبب هذا البطل الفلسطيني المجهول. 

ومع انتشار هذا الفيديو بكثافة بالتزامن مع العدوان وحرب الإبادة الجماعية التي يشنها الكيان الصهيوني على الشعب العربي الفلسطيني في قطاع غزة، فقد ظن الكثير أنه تم تصويره في أحداث الحرب الحالية على قطاع غزة، ومعهم كل الحق، فرغم أن الفيديو يعود إلى خمس سنوات مضت، إلا أنه يعبر عما يحدث الآن، لأن الأرض واحدة، وصاحبها معروف، والمعركة أيضا واحدة وممتدة، مع عدو واحد وداعمين متعددين. 

ولكن الفيديو أثار عندي سؤالا آخر، بعيدا عن حالة الابتهاج والاحتفاء التي صاحبته، وهو سؤال عن مدى التشابه بين الشعب الفلسطيني، وعدوه، وشعب الهنود الحمر، وعدوه، وعن معركتهما التي امتدت وتمتد لفترة من الزمن، ولكن النهاية والنتيجة ليست واحدة. 

فشعب الهنود الحمر، واجه أيضا هجوما من محتلين، جمعوا من حثالة الأرض ومجرميها في بلاد أوروبا، وتم اغوائهم بأرض جديدة وبكر، خالية من السكان، أي أرض بلا شعب، مثلما قيل زورا وعدوانا عن أرض فلسطين. 

وشُحن هؤلاء من أوروبا إلى القارة الأمريكية الجديدة، ليجدوا فيها شعبا، أنصفه التاريخ بعد ذلك بأنه كان شعبا متحضرا ذو حضارة عريقة، وليس همجيا كما حاولت الثقافة الأمريكية وأصحاب هوليوود تصويرهم. 

وشنت حرب إبادة كاملة ضد ذلك الشعب للقضاء عليه والاستيلاء على أرضه، وهو ما جرى في النهاية بانتصار المستعمر الأوروبي على شعب الهنود الحمر، ليتحولوا إلى مجرد تراث وذكرى مؤلمة تفضح جرائم القارة العجوز، وتذكرنا بأن للحضارة والإنسانية والمدنية والتقدم، بوصلة أخرى غير التي نراها وننبهر بها، ويتم تسويقها لنا ودفعنا دفعا للإيمان بها وتصديقها، وكأن كل ما هو أوروبي أو أمريكي هو الذي يستحق لقب "العالمي" وحده، وكأن الغرب هو محور العالم وحده، وهو صانع الحضارة، ومنبع التقدم والرقي والحضارة. 

فوجه الشبه بين حرب الهنود الحمر مع المستعمر الأوروبي، وحرب الشعب العربي الفلسطيني ضد العصابات الصهيونية، القادمة من أوروبا في معظمها أيضا، هو أن كلاهما فرضت عليه الحرب دفاعا عن وجوده وأرضه وهويته وحضارته، وكلاهما حارب احتلالا استيطانيا يستهدف سرقة الأرض ودفع شعبها الأصلي إلى الخروج منها أو إبادته بالكامل. 

أما النتيجة والنهاية فليست واحدة بالقطع، فمع زوال حضارة الهنود الحمر، وانقراضهم تقريبا وسلب أراضيهم، لأسباب لا مجال لذكرها في هذا المقال، إلا أن الشعب العربي الفلسطيني مازال يخوض معركته ببسالة وصمود وتحد، آثار إعجاب ودهشة شعوب العالم الحر. 

ومع تمسك الشعب العربي الفلسطيني بأرضه والبقاء عليها، ورغم حرب الإبادة الجماعية والخسائر البشرية الفادحة وبشاعة الجرائم الصهيونية التي تزيد وتيرتها مع استمرار صمود المقاومة، إلا أن نتائج الحرب لا تقاس بخسائرها البشرية، مع التأكيد على قدسية كل قطرة دم أريقت أو تراق من كل فلسطيني طفلا كان أو امرأة أو رجلا. 

فنتائج الحرب، تقاس وتحسب بأهداف أطرافها، ومدى نجاحهم في تحقيقها، فهل نجح الصهاينة وحلفائهم في تحقيق هدفا واحدا من أهدافهم المعلنة مع بداية العدوان؟ 

وهل نجح الصهاينة أو أسيادهم وخدامهم، في القضاء على وجود الشعب العربي الفلسطيني على أرضه وسلبها منه؟ 

وهل نجح الصهاينة في الاستقرار داخل كيانهم المزعوم، والعيش كدولة طبيعية، أم أن صواريخ المقاومة وقذائفهم لها رأي آخر؟ 

وهل تحول الشعب الفلسطيني إلى شعب هنود حمر أو يكاد؟ 

الإجابة تأتي من كلمات الشاعر العربي السوري نزار قباني في قصيدته الشهيرة «منشورات فدائية على جدران إسرائيل»:  

لن تجعلوا من شعبنا 
شعب هنودٍ حمر.. 
فنحن باقون هنا.. 
في هذه الأرض التي تلبس في معصمها 
إسوارةً من زهر 
فهذه بلادنا.. 
فيحق للفلسطيني، كل فلسطيني، ومن ورائه كل داعم أو مؤيد أو حتى متعاطف، أن يرقص رقصة الحرية، رقصة الهنود الحمر، ولكنها لن تكون إلا رقصة الانتصار وإن تأخر. 

تم نسخ الرابط