الأولى و الأخيرة

بلال بن رباح كان الأول فى التاريخ

المسحراتى.. مهنة تقاوم الاندثار فى عالم لا يعرف النوم

المسحراتى
المسحراتى

لا يمكن لأحد ان يتصور شهر رمضان بدون المسحراتى، ذلك الشخص الذى يجوب الشوارع والحارات وهو يدق على الطبلة لإيقاظ الناس للسحور والتنبيه بقرب آذان الفجر.
ورغم قدم مهنة المسحراتى وأهميتها، إلا أنها تقاوم الاندثار فى عالم لا يعرف النوم ويواصل الليل بالنهار، فأصبحت تحافظ على وجودها كونها مجرد فلكلور شعبى، يسعد به الأطفال والصبية فى القرى والأحياء الشعبية.
وبحسب معظم المراجع التاريخية، فإن مهنة المسحراتي تعود إلى عهد الرسول صلى الله عليه وسلم، حيث كان المسلمون يعرفون وقت السحور في عهد الرسول بأذان بلال بن رباح، وهو ما اعتبره كثيرون أول مسحراتى في التاريخ الإسلامى.
كان بلال بن رباح يجوب الشوارع والطرقات طوال الليل لإيقاظ الناس للسحور بصوته المحبب، وكان الرسول صلى الله عليه وسلم، يقول: إن بلالا ينادى فكلوا واشربوا حتى ينادى ابن أم مكتوم الذى كان يتولى مهمة إقامة آذان الفجر وقتها.


جنود ورجال دين 


وقد بدأت فكرة المسحراتي في مصر منذ أكثر من 12 قرنا من الزمان، حيث كان والي مصر العباسي إسحاق بن عقبة، فى عهد الدولة الفاطمية، أول من طاف شوارع القاهرة ليلا في رمضان لإيقاظ أهلها لتناول طعام السحور.
كان ابن عقبة يخرج ماشياً من مدينة العسكر في الفسطاط إلى جامع عمرو بن العاص، وينادي على الناس بالسحور، وهو ما اتخذها بعض المسلمين عادة فيما بعد وسرعان ما صارت حرفة امتهنها كثيرون فى المدن والقرى.
ثم جاء الحاكم بأمر الله، الذى أصدر قرارا للناس بأن يناموا مبكرا بعد صلاة التراويح مباشرة، وكان الجنود يمرون على المنازل ويدقون أبوابها ليوقظوا المسلمين للسحور، حتي تم تعيين رجلا للقيام بتلك المهمة، أطلفوا عليه اسم المسحراتى، وهو الذى كان يدق الأبواب بعصًا يحملها وهو يردد عبارة: يا أهل الله قوموا تسحروا.
وكادت مهنة المسحراتي أن تندثر في بلاد المحروسة، إلى أن جاء العصر المملوكي، وتحديدا في عهد السلطان الظاهر بيبرس، الذي عمل على إحيائها كتراث إسلامي، ولتحقيق هذا الغرض عين صغار علماء الدين، للدق على أبواب البيوت لإيقاظ أهلها للسحور.
وبعد أكثر من نصف قرن، وتحديدا في عهد الناصر محمد بن قلاوون، ظهرت طائفة المسحراتية، والتي أسسها أبو بكر محمد بن عبد الغني، الشهير بـ"ابن نقطة"، وهو مخترع فن "القوما"، وهي شكل من أشكال التسابيح، ولها علاقة كبيرو بالتسحير في شهر رمضان، ظهرت في بغداد في بادئ الأمر، قبل أن تنتقل إلي القاهرة.
وبحسب معظم المصادر التاريخية، كان ابن نقطة، المسحراتي الخاص بالسلطان الناصر محمد بن قلاوون، وعلي يديه تطورت مهنة المسحراتي، فتم استخدام الطبلة، والتي كان يدق عليها دقات منتظمة، وذلك بدلا من استخدام العصا، هذه الطبلة كانت تسمى "بازة"، وهى صغيرة الحجم يدق عليها المسحراتى دقات منتظمة يطرب لها الناس، ثم تطورت مظاهر المهنة، فأصبح المسحراتي يشدو بأشعار شعبية، وقصص من الملاحم، وزجل خاص بهذه المناسبة الدينية.

النفار والزمزمى وابوطبيلة

 

وانتشرت مهنة المسحراتى فيما بعد فى كل الدول العربية والإسلامية، فالمسحراتي في بلاد المغرب العربى يسمى النفار وهو الشخص الذي يأخذ على عاتقه إيقاظ المسلمين في ليالي شهر رمضان لتناول وجبة السحور، والمشهور عن المسحراتي هناك هو حمله للطبل أو المزمار ودقها أو العزف عليها بهدف إيقاظ الناس قبل صلاة الفجر، وعادة ما يكون النداء مصحوباً ببعض التهليلات أو الأناشيد الدينية.
وفي بلاد الشام كان المسحراتي يجول في الشوارع والساحات طوال ليالى شهر رمضان وينادي بصوته العذب لإيقاظ النائمين ودعوتهم إلى التسحر قبل الإمساك، لكن هذه العادة تطورت إلى استعمال الطبلة والنداءات والضرب على أبواب البيوت، حتى الطبلة تغيرت من طبلة صغيرة بحجم اليد، إلى طبلة كبيرة تسمى داهول، ويتم الضرب عليها بعصوين إحداهما غليظة وأخرى رفيعة لتحدث نغما وإيقاعا مميزا.
وفى الخليج العربى وتحديدا فى مكة المكرمة يسمى الزمزمى، وفي الكويت يعرف جيل الأجداد والآباء بأبو طبيلة او المسحراتي الذي يوقظ الناس من اجل تناول السحور، وقد سمي كذلك لأن أداته كانت الطبلة والعصا، مرددا بعض العبارات الروحية والأدعية لحث الناس على الاستيقاظ لتناول سحورهم، وكان لكل منطقة أبو طبيلة الخاص به.
ولم تكن وظيفة المسحراتي حكرا على الرجال، فتذكر المصادر التاريخية أن النساء شاركن الرجال في مهمة المسحراتي، ففى العصر الطولوني كانت المرأة تقوم بإنشاد الأناشيد من وراء النافذة لإيقاظ نساء الحي اللوتي يقطن فيه، وكان الشرط لمن تقوم بمهمة المسحراتي أن تكون من صاحبات الصوت الجميل.
في عصر التكنولجيا وثورة الاتصالات يكاد يختفي هذا المشهد الروحاني الجميل من شوارعنا في شهر رمضان، بعد أن حل الهاتف الذكي وتطبيقاته المتعددة محل مهمة المسحراتي في إيقاظ الناس لتناول سحورهم.

تم نسخ الرابط